شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٣ - الصفحة ١٨٦
من مقامات تجليات نور عظمة الرب والثاني وهو فوق الأول لم يصل إليه نور بصائر أحد إلا من شاء الله تعالى فأراه بقدر ما أحب، وأما مشاهدة نور عظمته على وجه الكمال فلا يقدر عليه إلا هو، والأول هو المانع من انكشاف نور العظمة على الخلق على وجه الكمال وإلا لانهدموا واحترقوا وقد تجلى نور العظمة من ذلك الحجاب على الجبل فجعله دكا وخر موسى صعقا، والظاهر أن هذا الحجاب هو الذي كان بين نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم) وبين الله تعالى في المعراج وقد كان قاب قوسين أو أدنى كما روي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «كان بينما حجاب يتلألأ فينظر مثل سم الأبرة إلى ما شاء الله من نور العظمة (1)» الحديث طويل أخذنا بعضه.
ثم هذا الذي ذكرناه على سبيل الاحتمال دون الجزم (2) ولا يعلم أمثال هذه الأسرار إلا هو وولية وأنا أستغفر الله مما أقول.

1 - الكافي كتاب الحجة باب مولد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) تحت رقم 13.
2 - قوله «على سبيل الاحتمال دون الجزم» القدر المسلم أنا نعلم تقسيم الوجود إلى عالمين عالم الأجسام وعالم المجردات، ونعلم أن عالم الأجسام مشتمل على موجودات لا تحصى مرتبة في العظم والصغر والكمال والنقص ولا بد أن يكون عالم المجردات أيضا كذلك وهو منقسم عندنا إلى العقل والنفس لأن المجرد إما أن يتعلق بجسم في الجملة وهو النفس أو لا يتعلق وهو العقل ولا واسطة بين النفي والإثبات والنفس لها مراتب عديدة لا تحصى من النفس النباتية والحيوانية بمراتبها كالخراطين إلى النفوس الكاملة الإنسانية وإن أردنا قياسها في النقص والكمال والقوة والضعف بالأشياء المقدرة للتقريب إلى الأذهان قلنا نسبة نفس الخراطين إلى نفس أبي علي بن سينا وإدراكها إلى إدراكه كحلقة في فلاة، ولا يبعد عقلا أن يكون مراتب العقول المجردة أيضا كذلك ويكون نسبة موجود عاقل إلى عاقل آخر كحلقة في فلاة ويكون عالم العقول مشتملا على مراتب لا تحصى منها ولا عبرة بما هو المشهور من حصر العقول في العشرة إذ لم يقصد القائلون به الحصر ولا أقيم عليه دليل وقد ورد في الشرع من طبقات الملائكة ومراتبهم ما ورد، ثم أن استعارة لفظ النور للعقل والإدراك من أحسن الاستعارات فان الظلمة سبب الخفاء والجهل والنور سبب الدرك والعلم فيستعار لعالم العقلاء عالم الأنوار ولعالم المواد عالم الظلمات وهذا كله صحيح معلوم أما أن المراد بالكرسي وعاء العالم أو الفلك الثامن أو النفس المتعلقة به أو العقل وأمثال ذلك فاحتمال لا يمكن لنا القطع عليه بل نعلم أن هذه الألفاظ تعبير عن مراتب الوجود في الجملة وقد ذكر صدر المتألهين (قدس سره) تأويلا نقله صاحب الوافي بتصرف في الجملة ونقله المجلسي في مرآة العقول وهو تطبيق الكرسي على الصدر والعرش على القلب والحجاب والستر على الروح والسر وهذه الأربعة هي النفس الحيوانية والناطقة والعقل النظري والعقل الفعال فإن الكرسي صدر الإنسان الكبير والعرش قلبه وليس لما بعدهما أعني الحجاب والستر مظهر في هذا العالم.
وكلام الشارح يؤيد ما سبق منا مرارا أن بيان الأمور الدقيقة وذكر اصطلاحات أصحاب الفنون وتحقيقات الفلاسفة يجب أن يخصص بالعلماء دون عامة الناس إذ لكل شيء في أذهانهم لوازم باطلة تتبادر إليها وقد يوجب ضلالهم فراجع الصفحة 104 من المجلد الثاني. (ش)
(١٨٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 181 182 183 184 185 186 187 188 189 190 191 ... » »»
الفهرست