شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٣ - الصفحة ١٢٠
الحواس وتوابع إدراكاتها من الوضع والأين والمكان والإضراب على هذا أظهر.
(ومالك لم يزل) ذكر الملك ثلاث مرات الأول لبيان أنه ملك قبل الإنشاء، والثاني لبيان أنه ملك بعد الإنشاء. والثالث - وهو هذا البيان أنه ملك أزلا وإذا كان ملكا أزلا كان ملكا أبدا فهو ملك دايما وسلطان أولا بلا غاية وآخرا بلا نهاية.
(له القدرة والملك) تقديم الظرف لقصد الحصر أي له القدرة الكاملة على جميع الأشياء إذ كل موجود فهو منته في سلسلة الحاجة إليه وهو تعالى مبدء وجوده وساير ما يعد سببا له فإنما هي واسطة بجعله وله الملك على الإطلاق وكل مالك مع ما في يده فهو مملوك له فإذن لا قدرة ولا ملك في الحقيقة إلا له.
(أنشأ ما شاء حين شاء بمشيته) أي بمجرد مشيته وإرادته بلا آلة ولا حركة ولا روية ولا مادة فقد ظلم نفسه وكفر بالله العظيم من قال: أنه تعالى فاعل بالايجاب (1) لا قدرة له على فعله، ومن قال: إنه لم يوجد إلا شيئا واحدا ولم يقدر على إيجاد غيره (2) ومن قال: إنه يحتاج في خلق شيء

1 - «من قال إنه فاعل بالايجاب» مبني هذه الشبهة أن بعضهم تمثل لتصوير احتياج الممكن إلى الواجب حدوثا وبقاء بالشمس والضياء وقال: كما أن الضياء محتاج إلى الشمس في حدوثه وبقائه كذلك العالم محتاج إلى الواجب في حدوثه وبقائه، وقالوا: ليس نسبة العالم إليه تعالى نظير نسبة البناء إلى الباني حيث يهلك الباني ويبقى البناء فذهب ذهن بعض جهلة المتفلسفين إلى أن الله تعالى لا اختيار له في خلقه بل يصدر عنه العالم قهرا بغير اختياره كالشمس ولم يعلموا أن المشبه والمشبه به لا يجب أن يكونا متماثلين من جميع الوجوه كتشبيه الوجه الحسن بالشمس والشجاع بالأسد، بل لا يقتضي إلا اشتراكهما في وجه الشبه فقط فيجب الجمع بين التمثيلين فيقال: إن العالم في الاحتياج المستمر إلى الله نظير الشمس والنور وفي تعلقه بالاختيار والمشية نظير الباني والبناء ومن جهة عدم الاستقلال في الوجود نظير الموج والبحر. (ش) 2 - قوله «ولم يقدر على ايجاد غيره» اعلم أن ما لا يجوز صدوره عن الله تعالى لكونه محالا أو قبيحا أو لعدم وجود المصلحة فيه وأمثال ذلك لا ينسب إلى عجزه تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا بل هو قادر على كل شيء ولكن القبيح لا يصدر منه فلا يكذب، ولا يجري المعجزة على يد المدعي الكاذب في النبوة والإمامة، ولا يعذب البريء ولا يجبر العباد، ولا يفعل شيئا يخالف الحكمة والمصلحة، ولا ينصب إمامين في عهد واحد، ولا يختار المفضول للإمامة، ولا يقدم الأخس على الأشرف، وكل ذلك وأمثاله محال على الله تعالى ويقول فقهاء زماننا إن القطع حجة بنفسه لا بجعل الشارع ولا يمكن أن يسقطه عن الحجية إذ ليس جعل حجيته ولا رفعه باختيار الشارع.
إذا تبين ذلك فنقول: قد ثبت في الحكمة الحقة الإلهية أن لا مؤثر في الوجود إلا الله تعالى وأن جميع ما يرى من الأسباب والوسائط مثل الدواء لرفع الأمراض والنار للإحراق والشمس للنهار كل ذلك معدات والإيجاد إنما هو فعل الله تعالى ولكن جهلة المتفلسفين فهموا من قول أعاظم الحكماء أن الواحد إنما يصدر عنه الواحد خلاف مقصودهم كما أشار إليه الشارح والحق أن مقتضى حكمة الباري وعنايته أن يقدم الأشرف في الإيجاد ولا ريب أن العقل أشرف من الجسم الجامد فبدأ الخلق بالعقل ثم خلق كل شيء بعده بسببه كسائر الوسائط لا بأن يفوض أمر الخلق إلى مخلوقه الأول لعجزه لأن الذي يقدر على خلق الأشرف والأعظم والأقوى لا يتصف بعجز عن خلق الأصغر والأضعف كما أن شفاء المرض بالدواء لا يدل على عجزه عن الشفاء بغير دواء والماديون يجعلون وجود الأجسام مقدما على العقل وأن العقل من توابع الجسم والمزاج والإلهيون بالعكس. (ش)
(١٢٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 115 116 117 118 119 120 121 122 123 124 125 ... » »»
الفهرست