حاشية رد المحتار - ابن عابدين - ج ٦ - الصفحة ٧٤٧
صغارا فترك الوصية أفضل، وكذا لو كانوا بالغين فقراء ولا يستغنون بالثلثين، وإن كانوا أغنياء أو يستغنون بالثلثين فالوصية أولى، وقدر الاستغناء عن أبي حنيفة إذا ترك لكل واحد أربعة آلاف درهم دون الوصية، وعن الامام الفضلي عشرة آلاف اه‍. قوله: (ومن صلى أو تصدق إلخ) اعلم أن إخلاص العبادة لله تعالى واجب والرياء فيها، وهو أن يريد بها غير وجه الله تعالى حرام بالاجماع للنصوص القطعية، وقد سمى عليه الصلاة والسلام الرياء: الشرك الأصغر. وقد صرح الزيلعي بأن المصلي يحتاج إلى نية الاخلاص فيها وفي المعراج: أمرنا بالعبادة ولا وجود لها بدون الاخلاص المأمور به، والاخلاص جعل أفعاله لله تعالى وذا لا يكون إلا بالنية اه‍. وقال العلامة العيني في شرح البخاري: الاخلاص في الطاعة ترك الريا ومعدنه القلب اه‍. وهذه النية لتحصيل الثواب لا لصحة العمل، لان الصحة تتعلق بالشرائط والأركان، والنية التي هي شرط لصحة الصلاة مثلا: أن يعلم بقلبه أي صلاة يصلي.
قال في مختارات النوازل: وأما الثوب فيتعلق بصحة عزيمته وهو الاخلاص، فإن من توضأ بماء نجس ولم يعلم به حتى صلى لم تجز صلاته في الحكم فلقد شرطه، ولكن يستحق الثواب لصحة عزيمته وعدم تقصيره اه‍.
فعلم أنه لا تلازم بين الثواب والصحة، فقد يوجد الثواب بدون الصحة كما ذكر، وبالعكس كما في الوضوء بلا نية فإنه صحيح، ولا ثواب فيه، وكذا لو صلى مرائيا، لكن الرياء تارة يكون في أصل العبادة، وتارة يكون في وصفها، والأول هو الرياء الكامل المحيط للثواب من أصله كما إذا صلى لأجل الناس، ولولاهم ما صلى، وأما لو عرض له في ذلك في أثنائها فهو لغو، لأنه لم يصل لأجلهم، بل صلاته كانت خالصة لله تعالى، والجزء الذي عرض له فيه الراء بعض تلك الصلاة الخالصة، نعم إن زاد في تحسينها بعد ذلك رجع إلى القسم الثاني، فيسقط ثواب التحسين، بدليل ما روي عن الامام فيمن أطال الركوع لادراك الجائي لا للقربة حيث قال: أخاف عليه أمرا عظيما: أي الشرك الخفي كما قاله بعض المحققين.
قال في التاترخانية: لو افتتح خالصا لله تعالى، ثم دخل في قلبه الرياء فهو على ما افتتح، والرياء أنه لو خلا عن الناس لا يصلي، ولو كان مع الناس يصلي، فأما إن كان مع الناس يحسنها، ولو صلى وحده لا يحسن فله ثواب أصل الصلاة دون الاحسان، ولا يدخل الرياء في الصوم. وفي الينابيع قال إبراهيم بن يوسف: لو صلى رياء فلا أجر له وعليه الوزر. وقال بعضهم: لا أجر له ولا وزر عليه، وهو كأنه لم يصل اه‍. ولعله لم يدخل في الصوم لأنه لا يرى، إذ هو إمساك خاص لا فعل فيه. نعم قد يدخل في إخباره وتحدثه به. تأمل. واستدل له في الواقعات بقوله عليه الصلاة والسلام:
يقول الله تعالى الصوم لي وأنا أجزي به ففي شركة الغير، وهذا لم يذكر في حق سائر الطاعات اه‍.
ثم اعلم أن من الرياء التلاوة ونحوها بالأجرة، لأنه أريد بها غير وجه الله تعالى وهو المال، ولذا قالوا: إنه لا ثواب بها لا للقارئ ولا للميت، والآخذ والمعطي آثمان. وقالوا أيضا: إن من نوى الحج والتجارة لا ثواب له إن كانت نية التجارة غالبة أو مساوية. وفي الذخيرة إذا سعى لإقامة الجمعة وحوائج له في المصر فإن معظم مقصوده الأول فله ثواب السعي إلى الجمعة وإن الثاني فلا اه‍. أي وإن تساويا تساقطا كما يعلم مما مر، واختار هذا التفصيل الامام الغزالي أيضا وغيره من الشافعية، واختار منهم العز بن عبد السلام عدم الثواب مطلقا. قوله: (لا يعاقب بتلك الصلاة ولا يثاب بها) هو معنى ما
(٧٤٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 742 743 744 745 746 747 748 749 750 751 752 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الشهادات 3
2 باب القبول وعدمه 15
3 باب الاختلاف في الشهادة 37
4 باب الشهادة على الشهادة 44
5 باب الرجوع عن الشهادة 50
6 كتاب الوكالة 56
7 باب الوكالة بالبيع والشراء 63
8 باب الوكالة بالخصومة والقبض 78
9 باب عزل الوكيل 86
10 كتاب الدعوى 92
11 باب التحالف 111
12 باب دعوى الرجلين 123
13 باب دعوى النسب 135
14 كتاب الاقرار 144
15 باب الاستثناء وما معناه 162
16 باب إقرار المريض 167
17 فصل في مسائل شتى 179
18 كتاب الصلح 188
19 كتاب المضاربة 208
20 باب المضارب يضارب 215
21 كتاب الايداع 227
22 كتاب العارية 243
23 كتاب الهبة 255
24 باب الرجوع في الهبة 268
25 كتاب الإجارة 283
26 باب ما يجوز من الإجارة وما يكون خلافا فيها أي في الإجارة 309
27 باب الإجارة الفاسدة 328
28 باب ضمان الأجير 348
29 باب فسخ الإجارة 362
30 مسائل شتى 375
31 كتاب المكاتب 386
32 باب ما يجوز للمكاتب أن يفعله 391
33 باب كتاب العبد المشترك 400
34 باب موت المكاتب وعجزه وموت المولى 402
35 كتاب الولاء 410
36 كتاب الاكراه 420
37 كتاب الحجر 436
38 كتاب المأذون 450
39 كتاب الغصب 475
40 كتاب الغصب 475
41 كتاب الشفعة 518
42 باب طلب الشفعة 526
43 باب ما تثبت هي فيه أو لا تثبت 540
44 باب ما يبطلها 544
45 كتاب القسمة 559
46 كتاب المزارعة 582
47 كتاب الذبائح 604
48 كتاب الأضحية 624
49 كتاب الحظر والإباحة 651
50 باب الاستبراء وغيره 691
51 كتاب إحياء الموات 754