حاشية رد المحتار - ابن عابدين - ج ٦ - الصفحة ٣٤٠
معظمها، ولكن الذي في أكثر الكتب الاقتصار على ما في الهداية، فهذا مجموع ما أفتى به المتأخرون من مشايخنا وهم البلخيون على خلاف في بعضه، مخالفين ما ذهب إليه الامام وصاحباه، وقد اتفقت كلمتهم جميعا في الشروح والفتاوى على التعليل بالضرورة وهي خشية ضياع القرآن كما في الهداية، وقد نقلت لك ما في مشاهير متون المذهب الموضوعة للفتوى فلا حاجة إلى نقل ما في الشروح والفتاوى، وقد اتفقت كلمتهم جميعا على التصريح بأصل المذهب من عدم الجواز، ثم استثنوا بعده ما علمته فهذا دليل قاطع وبرهان ساطع على أن المفتى به ليس هو جواز الاستئجار على كل طاعة، بل على ما ذكروه فقط مما فيه ضرورة ظاهرة تبيح الخروج عن أصل المذهب من طرو المنع، فإن مفاهيم الكتب حجة ولو مفهوم لقب على ما صرح به الأصوليون بل هو منطوق، فإن الاستثناء من أدوات العموم كما صرحوا به أيضا. وأجمعوا على أن الحج عن الغير بطريق النيابة لا الاستئجار، ولهذا لو فضل مع النائب شئ من النفقة يجب عليه رده للأصيل أو ورثته، ولو كان أجره لما وجب رده، فظهر لك بهذا عدم صحة ما في الجوهرة من قوله. واختلفوا في الاستئجار على قراءة القرآن مدة معلومة:
قال بعضهم: لا يجوز، وقال بعضهم: يجوز وهو المختار اه‍. والصواب أن يقال على تعليم القرآن، فإن الخلاف فيه كما علمت لا في القراءة المجردة فإنه لا ضرورة فيها، فإن كان ما في الجوهرة سبق قلم فلا كلام، وإن كان عن عمد فهو مخالف لكلامهم قاطبة فلا يقبل.
وقد أطنب في رده صاحب تبيين المحارم مستندا إلى النقول الصريحة: فمن جملة كلامه قال تاج الشريعة في شرح الهداية: إن القرآن بالأجرة لا يستحق الثواب لا للميت ولا للقارئ، وقال العيني في شرح الهداية: ويمنع القارئ للدنيا، والآخذ والمعطي آثمان.
فالحاصل: أن ما شاع في زماننا من قراءة الاجزاء بالأجرة لا يجوز، لان فيه الامر بالقراءة وإعطاء الثواب للآمر والقراءة لأجل المال، فإذا لم يكن للقارئ ثواب لعدم النية الصحيحة فأين يصل الثواب إلى المستأجر، ولولا الأجرة ما قرأ أحد لاحد في هذا الزمان، بل جعلوا القرآن العظيم مكسبا ووسيلة إلى جمع الدنيا. إنا لله وإنا إليه راجعون. اه‍. وقد اغتر بما في الجوهرة صاحب البحر في كتاب الوقف وتبعه الشارح في كتاب الوصايا حيث يشعر كلامها بجواز الاستئجار على كل الطاعات ومنها القراءة. وقد رده الشيخ خير الدين الرملي في حاشية البحر في كتاب الوقف حيث قال: أقول: المفتى به جواز الاخذ استسحانا على تعليم القرآن لا على القراءة المجردة، كما صرح به في التاترخانية حيث قال: لا معنى لهذه الوصية ولصلة القارئ بقراءته، لان هذا بمنزلة الأجرة والإجارة في ذلك باطلة، وهي بدعة ولم يفعلها أحد من الخلفاء، وقد ذكرنا مسألة تعليم القرآن على استحسان اه‍: يعني للضرورة، ولا ضرورة في الاستئجار على القراءة على القبر. وفي الزيلعي وكثير من الكتب: ولو لم يفتح لهم باب التعليم بالاجر لذهب القرآن فأفتوا بجوازه ورأوه حسنا، فتنبه اه‍ كلام الرملي.
وما في التاترخانية فيه رد على من قال: لو أوصى لقارئ يقرأ على قبره بكذا ينبغي أن يجوز على وجه الصلة دون الاجر، وممن صرح ببطلان هذه الوصية صاحب الولوالجية والمحيط والبزازية، وفيه رد أيضا على صاحب البحر حيث علل البطلان بأنه مبني على القول بكراهة القرآن على القبر وليس كذلك، بل لما فيه من شبه الاستئجار على القراءة كما علمت، وصرح به في الاختيار وغيره، ولذا قال في الولوالجية ما نصه: ولو زار قبر صديق أو قريب له وقرأ عنده شيئا من القرآن فهو حسن، أما
(٣٤٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 335 336 337 338 339 340 341 342 343 344 345 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الشهادات 3
2 باب القبول وعدمه 15
3 باب الاختلاف في الشهادة 37
4 باب الشهادة على الشهادة 44
5 باب الرجوع عن الشهادة 50
6 كتاب الوكالة 56
7 باب الوكالة بالبيع والشراء 63
8 باب الوكالة بالخصومة والقبض 78
9 باب عزل الوكيل 86
10 كتاب الدعوى 92
11 باب التحالف 111
12 باب دعوى الرجلين 123
13 باب دعوى النسب 135
14 كتاب الاقرار 144
15 باب الاستثناء وما معناه 162
16 باب إقرار المريض 167
17 فصل في مسائل شتى 179
18 كتاب الصلح 188
19 كتاب المضاربة 208
20 باب المضارب يضارب 215
21 كتاب الايداع 227
22 كتاب العارية 243
23 كتاب الهبة 255
24 باب الرجوع في الهبة 268
25 كتاب الإجارة 283
26 باب ما يجوز من الإجارة وما يكون خلافا فيها أي في الإجارة 309
27 باب الإجارة الفاسدة 328
28 باب ضمان الأجير 348
29 باب فسخ الإجارة 362
30 مسائل شتى 375
31 كتاب المكاتب 386
32 باب ما يجوز للمكاتب أن يفعله 391
33 باب كتاب العبد المشترك 400
34 باب موت المكاتب وعجزه وموت المولى 402
35 كتاب الولاء 410
36 كتاب الاكراه 420
37 كتاب الحجر 436
38 كتاب المأذون 450
39 كتاب الغصب 475
40 كتاب الغصب 475
41 كتاب الشفعة 518
42 باب طلب الشفعة 526
43 باب ما تثبت هي فيه أو لا تثبت 540
44 باب ما يبطلها 544
45 كتاب القسمة 559
46 كتاب المزارعة 582
47 كتاب الذبائح 604
48 كتاب الأضحية 624
49 كتاب الحظر والإباحة 651
50 باب الاستبراء وغيره 691
51 كتاب إحياء الموات 754