البحر الرائق - ابن نجيم المصري - ج ٥ - الصفحة ٩٩
فكان حرزا فلا يعتبر الحافظ كالبيت بخلاف المسجد لأنه ما بني لاحراز الأموال فلم يكن محرزا بالمكان فيعتبر الحافظ كالطريق والصحراء. وشمل ما إذا سرق من الحمام في وقت لم يؤذن للناس في الدخول فيها كالليل، والمنقول في التبيين أنه يقطع بخلاف المسجد لا يقطع مطلقا.
وأطلق في المأذون للناس في دخوله فشمل حوانيت التجار والخانات إلا إذا سرق منه ليلا لأنها بنيت لاحراز الأموال، وإنما الاذن يختص بالنهار، كذا في الهداية. وفي قوله للناس إشارة إلى أنه لو أذن لجماعة مخصوصين بالدخول فدخل واحد غيرهم وسرق فإنه يقطع ولم أره صريحا، وقد قدم المصنف أنه لا بد من الاحراز بمكان أو حافظ. قال الطحاوي في كتابه:
حرز كل شئ معتبر بحرز مثله حتى إنه إذا سرق دابة من اصطبل يقطع، ولو سرق لؤلؤة من اصطبل لا يقطع. وذكر الكرخي في كتابه أن ما كان حرز النوع فهو حرز للأنواع كلها. قال شمس الأئمة السرخسي: وهذا هو المذهب عندنا. والقفاف لا يقطع وهو الذي يعطي الدراهم لينظر إليها فيأخذ منها وصاحبها لا يعلم. والفشاش وهو الذي يهئ لغلق البيت ما يفتح به إذا فش نهارا وليس في البيت ولا في الدار أحد وأخذ المتاع لا يقطع، وإن كان فيها أحد من أهلها فأخذ المتاع وهو لا يعلم قطع. وفي الحاوي: إذا كان باب الدار مردودا غير مغلق فدخلها السارق خفية وأخذ المتاع قطع، ولو كان باب الدار مفتوحا فدخل نهارا وسرق لا يقطع، ولو سرق من السطح ثيابا تساوي نصابا يقطع لأنه حرز، وإذا سرق ثوبا بسط على حائط في السكة لا يقطع، وكذلك لو سرق ثوبا بسط على خص إلى السكة، وإن بسط على الحائط إلى الدار أو على الخص إلى السطح قطع، كذا في الظهيرية اه‍.
قوله: (ومن سرق من المسجد متاعا وربه عنده قطع) لأنه عليه السلام قطع سارق رداء صفوان من تحت رأسه وهو نائم في المسجد أراد بالمسجد كل موضع لم يكن حرزا فدخل الطريق والصحراء. وأطلق في ربه فشمل النائم واليقظان وهو الصحيح، وأراد من كونه عنده أن يكون بحيث يراه كما في المجتبى. وأطلق في كونه عنده فشمل ما إذا كان تحت رأسه أو تحت جنبه أو بين يديه حالة النوم وهو قول بعض المشايخ وإليه مال الإمام السرخسي. وفي الأصل ما يدل على خلافه فإنه قال: المسافر ينزل في الصحراء فيجمع متاعه ويبيت عليه فسرق رجل منه شيئا قطع، فإن بعض المشايخ فهم منه أنه إذا كان موضوعا بين يديه لا يقطع، كذا في الظهيرية. وصحح في المجتبى ما اختاره السرخسي من الاطلاق لأنه يعد النائم حافظا له عادة وعلى هذا لا يضمن المودع والمستعير بمثله لأنه ليس بتضييع بخلاف ما اختاره في الفتاوي اه‍. وأشار المصنف إلى أنه لو سرق الغنم أو البقر أو الفرس من المرعى
(٩٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 94 95 96 97 98 99 100 101 102 103 104 ... » »»
الفهرست