البحر الرائق - ابن نجيم المصري - ج ٤ - الصفحة ٤٣٠
سمى به ما يعطي المجاهد ليتعين به على جهاده. وأجعلت له أعطيته له والجعائل جمع جعيلة أو جعالة بالحركات بمعنى الجعل، كذا في المغرب. والمراد منه هنا العتق على مال قوله:
(حرر عبده على مال فقبل عتق) أي قبل العبد وذلك مثل أن يقول أنت حر على ألف درهم أو بألف درهم أو على أن تعطيني ألفا أو على أن تؤدي إلي ألفا أو على أن تجيئني بألف أو على أن لي عليك ألفا أو على ألف تؤديها إلي، أو قال بعتك نفسك منك على كذا أو وهبت لك نفسك على أن تعوضني كذا. وإنما توقف على قبوله لأنه معاوضة المال بغير المال إذ العبد لا يملك نفسه، ومن قضية المعاوضة ثبوت الحكم بقبول العوض للحال كما في البيع فإذا قبل صار حرا، وما شرط دين عليه حتى تصح الكفالة به بخلاف بدل الكتابة لأنه ثبت مع المنافي وهو قيام الرق على ما عرف. وكما تصح به الكفالة جاز أن يستبدل به ما شاء يدا بيد لأنه دين لا يستحق قبضه في المجلس فيجوز أن يستبدل به كالأثمان، ولا خير فيه نسيئة لأن الدين بالدين حرام. ولم يقيد القبول بالمجلس لما عرف أنه لا بد لكل قبول من المجلس فإن كان حاضرا اعتبر مجلس الايجاب، وإن كان غائبا يعتبر مجلس علمه، فإن قبل فيه صح، وإن رد أو أعرض بطل. والاعراض عنه إنما يكون بالقيام أو بالاشتغال بعمل آخر يعلم أنه قطع لما قبله، كذا في شرح الطحاوي. ولم يقيد المصنف العتق بالأداء لأنه يعتق قبله لأنه ليس معلقا على الأداء وإنما هو معلق على القبول وقد وجد. وأفاد بقوله قبل أنه لا بد أن يقبل في الكل فلو قال لعبده أنت حر بألف فقال قبلت في النصف فإنه لا يجوز عند أبي حنيفة لأن العتق عنده يتجزأ، فلو جاز قبوله في النصف وجب عليه نصف البدل وصار الكل خارجا عن يده لأنه يخرج الباقي إلى العتق بالسعاية والمولى ما رضي بزوال يده وصيرورته محجورا عن التصرف إلا بألف. وعندهما يجوز ويعتق كله بجميع الألف لأنه لا يتجزأ عندهما فالقبول في النصف قبول في الكل، ولو كان ذلك في الطلاق كان القبول في النصف قبولا في الكل اتفاقا، وكذا كل ما لا يتجزأ كالدم وغيره. ولو قال لمولاه أعتقني على ألف فأعتق نصفه يعتق نصفه بغير شئ، ولو كان بالباء يعتق نصفه بخمسمائة عند الإمام كما في الطلاق، كذا في المحيط.
وقيد بكون العبد كله له لأنه لو كان له نصفه فقال له أنت حر على ألف فقبل فإنه يعتق نصفه بخمسمائة إلا إذا أجاز الآخر يجب الألف بينهما عند أبي حنيفة لأن العتق يتجزأ عنده بخلاف ما إذا قال أعتقت نصيبي بألف فقبل العبد لزمه الألف للمعتق لا يشاركه فيه الساكت لأن الألف بمقابلة نصيبه، كذا في المحيط أيضا. وأطلق المصنف في المال فشمل جميع أنواعه من النقد والعروض والحيوان وإن كان بغير عينه لأنه معاوضة المال بغير المال فشابه النكاح والطلاق والصلح عن دم العمد، وكذا الطعام والمكيل والموزون إذا كان معلوم الجنس، ولا يضره جهالة الوصف لأنها يسيرة ويلزمه الوسط في تسمية الحيوان والثوت بعد بيان جنسهما
(٤٣٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 425 426 427 428 429 430 431 432 433 434 435 ... » »»
الفهرست