البحر الرائق - ابن نجيم المصري - ج ٢ - الصفحة ٦٢٧
ثبت عن ابن عمر وعائشة في الصحيحين، وعن ابن عباس فيما رواه الترمذي وحسنه، وعن عمران بن الحصين في الصحيحين، وجمع أئمتنا بين الروايات بأن سبب رواية الافراد سماع من رأى تلبيته بالحج وحده، ورواية التمتع سماع من سمعه، يلبي بالعمرة، ورواية القران سماع من سمعه يلبي بهما. وهذا لأنه لا مانع من إفراد ذكر نسك في التلبية وعدم ذكر شئ أصلا وجهة أخرى مع نية القران فهو نظير سبب الاختلاف في تلبيته عليه السلام أكانت دبر الصلاة أو عند استواء ناقته أو حين علا على البيداء فروى كل بحسب ما سمع، ومما يرجح القران أن من روى الافراد روي التمتع فتناقض بخلاف من روي التمتع وهو بلغة القرآن الكريم وعرف الصحابة أعم من القران. وترجح الفرد المسمى بالقران في الاصطلاح بما في الصحيح عن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بوادي العقيق يقول: أتاني الليلة آت من ربي عز وجل فقال: صل في هذا الوادي المبارك ركعتين وقل عمرة في حجة. ولا بد له من امتثال ما أمر به في مقامه الذي هو وحي ولأئمتنا ترجيحات كثيرة.
وقال النووي في شرح المهذب: والصواب الذي نعتقده أنه صلى الله عليه وسلم أحرم بالحج أولا مفردا ثم أدخل عليه العمرة فصار قارنا، وإدخال العمرة على الحج جائز على أحد القولين عندنا، وعلى الأصح لا يجوز لنا وجاز للنبي صلى الله عليه وسلم تلك السنة للحاجة وأمر به في قوله لبيك عمرة وحجة، فمن روى أنه كان مفردا اعتمد أول الاحرام، ومن روي أنه كان قارنا اعتمد آخره، ومن روى أنه كان متمتعا أراد التمتع اللغوي وهو الانتفاع بأن كفاه عن النسكين فعل واحد، ويؤيده أنه عليه السلام لم يعتمر تلك السنة عمرة مفردة لا قبل الحج ولا بعده، وقد قدمنا أن القران أفضل من إفراد الحج من غير عمرة بلا خلاف ولو جعلت حجته عليه السلام مفردة لزم أن لا يكون اعتمر تلك السنة ولم يقل أحد أن الحج وحده أفضل من القران ا ه‍. وبهذا تبين صحة ما في النهاية من أن محل الاختلاف بيننا وبين الشافعي إنما هو أن إفراد كل نسك بإحرام في سنة واحدة أفضل، أو الجمع بينهما بإحرام واحد أفضل، وأنه لم يقل أحد بتفضيل الحج وحده على القران، وتبين به بطلان ما ذكره الشارح هنا ردا على صاحب النهاية. وما روي عن محمد إنه قال حجة كوفية وعمرة كوفية أفضل عندي من القران فليس بموافق لمذهب الشافعي في تفضيل الافراد فإنه يفضل الافراد سواء أتى بنسكين في سفرة
(٦٢٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 622 623 624 625 626 627 628 629 630 631 632 ... » »»
الفهرست