البحر الرائق - ابن نجيم المصري - ج ٢ - الصفحة ٣٧
على عصا، ومنها أن يختصر السورة فيقرأ من أولها آية أو آيتين، ومنها أن يختصرها فيقرأ آخرها، ومنها أن يحذف آية السجدة، ومنها أن يختصر صلاته فلا يتم حدودها، ولا شك في كراهة الاتكاء في الفرض لغير ضرورة كما صرحوا به لا في النفل على الأصح كما في المجتبي، وأما الاختصار في القراءة فإن أخل بواجب بأن نقص عن ثلاث آيات مع الفاتحة كان مكروها كراهة تحريم لترك بعض الواجب إلا فلا. وقد صرح أصحاب الفتاوى بأن الصحيح أنه لا تكره القراءة من آخر السورة وقد صرحوا بكراهة قراءة السورة وترك آية السجدة في بابها، وأما اختصار الصلاة بحيث لا يتم حدودها فإن لزم منه ترك واجب كره تحريما وإن أخل بسنة كره تنزيها. هذا ما تقتضيه القواعد والله سبحانه الموفق للصواب.
قوله (والالتفات) لما رواه البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الالتفات في الصلاة فقال: هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد.
وروى الترمذي وصححه عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم إياك والالتفات في الصلاة فإن الالتفات في الصلاة هلكة، فإن كان لا بد ففي التطوع لا في الفريضة (2). ثم المذكور في عامة الكتب إن الالتفات المكروه هو تحويل وجهه عن القبلة، وممن صرح به صاحب البدائع والنهاية والغاية والتبيين وفتح القدير والمجتبي والكافي وشرح المجمع، وقيده في الغاية بأن يكون لغير عذر، أما تحويل الوجه لعذر فغير مكروه. وينبغي أن تكون تحريمية كما هو ظاهر الأحاديث قالوا: وإنما كره لغير عذر لأنه انحراف عن القبلة ببعض بدنه ولو انحرف عنها بجميع بدنه فسدت، فإن انحرف ببعض بدنه كره كالعمل القليل فإنه مكروه لأن كثيره مفسد ويدل لعدم فسادها بهذا الالتفات قوله في الحديث يختلسها الشيطان من صلاة العبد فإنه سماها صلاة معه. وإنما لم يكره للعذر لحديث مسلم عن جابر: اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلينا وراءه وهو قاعد فالتفت إلينا فرآنا قياما فأشار إلينا فقعدنا. وقد صرحوا بأن التفات البصر يمنة ويسرة من غير تحويل الوجه أصلا غير مكروه مطلقا والأولى تركه لغير حاجة، والظاهر أن فعله عليه السلام إياه كان لحاجة تفقد أحوال المقتدين به مع ما فيه من بيان الجواز وإلا فهو كان ينظر من خلفه كما ينظر أمامه كما في الصحيحين. وقد خالف صاحب
(٣٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 ... » »»
الفهرست