البحر الرائق - ابن نجيم المصري - ج ٢ - الصفحة ٢٢٩
كانت المسافة ثلاثة أيام بالسير المعتاد فسار إليها على البريد سيرا مسرعا أو على الفرس جريا حثيثا فوصل في يومين قصر اه‍. والمراد بسير البر والجبل أن يكون بالإبل ومشي الاقدام، والمراد بالإبل إبل القافلة دون البريد. وأما السير في البحر فيعتبر ما يليق بحاله وهو أن يكون مسافة ثلاثة فيه إذا كانت تلك الرياح معتدلة، وإن كانت تلك المسافة بحيث تقطع في البر في يوم كما في الجبل يعتبر كونها من طريق الجبل بالسير الوسط ثلاثة أيام، وإن كانت تقطع من طريق السهل بيوم فالحاصل أن تعتبر المدة من أي طريق أخذ فيه، ولهذا عمم المصنف رحمه الله. وخرج سير البقر بجر العجلة ونحوه لأنه أبطأ السير كما أن أسرعه سير الفرس والبريد والوسط ما ذكرنا وفي البدائع: ثم يعتبر في كل ذلك السير المعتاد فيه وذلك معلوم عند الناس فيرجع إليهم عند الاشتباه.
وأما الثالث أعني حكم السفر فهو تغيير بعض الأحكام فذكر المصنف منها قصر الصلاة والمراد وجوب قصرها حتى لو أتم فإنه آثم عاص لأن الفرض عندنا من ذوات الأربع ركعتان في حقه لا غير، ومن مشايخنا من لقب المسألة بأن القصر عندنا عزيمة والاكمال رخصة. قال في البدائع: وهذا التلقيب على أصلنا خطأ لأن الركعتين في حقه ليستا قصرا حقيقة عندنا بل هما تمام فرض المسافر والاكمال ليس رخصة في حقه بل إساءة ومخالفة للسنة، ولان الرخصة اسم لما تغير عن الحكم الأصلي بعارض إلى تخفيف ويسر ولم يوجد معنى التغيير في حق المسافر رأسا إذ الصلاة في الأصل فرضت ركعتين في حق المقيم والمسافر ثم زيدت ركعتين في حق المقيم كما روته عائشة رضي الله عنها فانعدم معنى التغيير في حقه أصلا، وفي حق المقيم وجد التغيير لكن إلى الغلظ والشدة لا إلى السهولة واليسر، والرخصة تنبئ عن ذلك فلم يكن رخصة حقيقة في حق المقيم أيضا، ولو سمى فإنما هو مجاز لوجود بعض معاني الحقيقة وهو التغيير اه‍. فعلى هذا لو قال في جواب الشرط صلى الفرض الرباعي ركعتين لكان أولى. وقيد بالفرض لأنه لا قصر في الوتر والسنن. واختلفوا في ترك السنن في السفر، فقيل الأفضل هو الترك ترخيصا، وقيل الفعل تقربا. وقال الهندواني: الفعل حال النزول والترك حال السير،
(٢٢٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 224 225 226 227 228 229 230 231 232 233 234 ... » »»
الفهرست