البحر الرائق - ابن نجيم المصري - ج ١ - الصفحة ٥٠١
الناس للسؤال عن القبلة، ولا يعرف القبلة بمس الجدار والحيطان لأن الحائط لو كانت منقوشة لا يمكنه تمييز المحراب من غيره، وعسى يكون ثم هامة مؤذية فجاز له التحري اه‍..
وقيد بالاشتباه لأنه لو صلى في الصحراء إلى جهة من غير شك ولا تحر، إن تبين أنه أصاب أو كان أكبر رأيه أو لم يظهر من حاله شئ حتى ذهب عن الموضع فصلاته جائزة، وإن تبين أنه أخطأ أو كان أكبر رأيه فعليه الإعادة. وقيد بالتحري لأن من صلى ممن اشتبهت عليه بلا تحر فعليه الإعادة إلا أن علم بعد الفراغ أنه أصاب لأن ما افترض لغيره يشترط حصوله لا تحصيله. وإن علم في الصلاة أنه أصاب يستقبل خلافا لأبي يوسف لما ذكرنا.
قلنا: حالته قويت بالعلم وبناء القوي على الضعيف لا يجوز، أما لو تحرى صلى إلى غير جهة التحري ففي الخلاصة والخانية عن أبي حنيفة أنه يخشى عليه الكفر لاعراضه عن القبلة. وفي الذخيرة: اختلف المشايخ في كفره لأنه صارت قبلة في حقه. وفي الظهيرية: وظن بعض أصحابنا أن الجهة التي أدى إليها التحري قبلت على الحقيقة، وعندنا هذا غير مرضي ففيه قول بأن كل مجتهد يصيب الحق لا محالة ولا نقول به لكن المجتهد يخطئ مرة ويصيب أخرى اه‍.
وأما صلاته فلا تجزئه وإن أصاب مطلقا خلافا لأبي يوسف. وفي فتح القدير: هي مشكلة على قولهما لأن تعليلهما في هذه وهو أن القبلة في حقه جهة التحري وقد تركها يقتضي الفساد مطلقا في صورة تر ك التحري لأن ترك جهة التحري تصدق مع ترك التحري وتعليلهما في تلك بأن ما فرض لغيره يشترط مجرد حصوله كالسعي يقتضي الصحة في هذه.
وعلى هذا لو صلى في ثوب وعنده أنه نجس ثم ظهر أنه طاهر، أو صلى وعنده أنه محدث فظهر أنه متوضئ، أصلى الفرض وعنده أن الوقت لم يدخل فظهر أنه كان قد دخل، لا يجزئه لأنه لما حكم بفساد صلاته بناء على دليل شرعي وهو تحريه فلا ينقلب جائزا إذا ظهر خلافه. وهذا التعليل يجري في مسألة العدول عن جهة التحري إذا ظهر صوابه، وبه يندفع الاشكال الذي أوردناه لأن دليل الشرع على الفساد هو التحري أو اعتقاد الفساد عن التحري فإذا حكم الفساد دليل شرعي لزم وذلك منتف في صورة ترك التحري فكان ثبوت الفساد فيها قبل ظهور الصواب إنما هو لمجرد اعتقاده الفساد فيؤاخذ باعتقاده الذي ليس بدليل إذا لم
(٥٠١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 496 497 498 499 500 501 502 503 504 505 506 ... » »»
الفهرست