البحر الرائق - ابن نجيم المصري - ج ١ - الصفحة ٢٨٨
المسح، والثاني معرفة مدته، والثالث معرفة الخف الذي يجوز عليه المسح، والرابع معرفة ما ينتقض به المسح، والخامس معرفة حكمه إذا انتقض والسادس معرفة صورته وقد ذكرها المصنف فبدأ بالأول فقال (صح) أي جاز المسح على الخفين، والصحة في العبادات على ما في التوضيح كونها بحيث توجب تفريغ الذمة فالمعتبر في مفهومها اعتبارا أوليا إنما هو المقصود الدنيوي وهو تفريغ الذمة وإن كان يلزمها الثواب مثلا وهو المقصود الأخروي لكنه غير مقصود في مفهومه اعتبارا أوليا. والوجوب كون الفعل بحيث لو أتى به يثاب ولو تركه يعاقب فالمعتبر في مفهومه اعتبارا أوليا هو المقصود الأخروي وإن كان يتبعه المقصود الدنيوي كتفريغ الذمة ونحوه اه‍. واختلف مشايخنا جوازه ثابت بالكتاب أو بالسنة؟ فقيل بالكتاب عملا بقراءة الجر فإنها لما عارضت قراءة النصب حملت على ما إذا كان متخففا، وحملت قراءة النصب على ما إذا لم يكن متخففا واختاره في غاية البيان، وقال الجمهور لم يثبت بالكتاب وهو الصحيح بدليل قوله إلى الكعبين لأن المسح غير مقدر بهذا بالاجماع، والصحيح أن جوازه ثبت بالسنة. كذا ذكره المصنف في المستصفى، واختاره صاحب المجمع معللا بأن الماسح على الخف ليس ماسحا على الرجل حقيقة ولا حكما لأن الخف اعتبر مانعا سراية الحدث إلى القدم فهي طاهرة، وما حل بالخف أزيل بالمسح فهو على الخف حقيقة وحكما، وحملوا قراءة الجر عطفا على المغسول والجر للمجاورة وقد جاءت السنة بجوازه قولا وفعلا حتى قال أبو حنيفة: ما قلت بالمسح حتى جاءني فيه مثل ضوء النهار وعنه أخاف الكفر على من لم ير المسح على الخفين لأن الآثار التي جاءت فيه في حيز التواتر. وقال أبو يوسف: خبر المسح يجوز نسخ الكتاب به لشهرته. وقال أحمد: ليس في قلبي شئ من المسح فيه أربعون حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما رفعوا وما وقفوا. وعن الحسن البصري: أدركت سبعين نفرا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يرون المسح على الخفين ومن لم ير المسح عليهما جائزا من الصحابة فقد صح رجوعهم كابن عباس وأبي هريرة وعائشة. وقال شيخ الاسلام: الدليل على أن منكر المسح ضال مبتدع ما روي أن أبا حنيفة سأل عن مذهب أهل السنة والجماعة فقال: هو أن تفضل الشيخين وتحب الختنين وترى المسح على الخفين. وإنما لم يجعله واجبا لأن العبد مخير بين فعله وتركه، كذا قالوا.
وينبغي أن يكون المسح واجبا في مواضع منها: إذا كان معه ماء لو غسل به رجليه لا يكفي وضوءه ولو مسح على الخفين يكفيه فإنه يتعين عليه المسح، ومنها ما لو خاف خروج
(٢٨٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 283 284 285 286 287 288 289 290 291 292 293 ... » »»
الفهرست