بدائع الصنائع - أبو بكر الكاشاني - ج ٥ - الصفحة ٥٣
التعليم هو أن يمسك علينا الصيد ولا يأكل منه يقرره ان الله تعالى إنما أباح أكل صيد المعلم من الجوارح الممسك على صاحبه ولو لم يكن ترك الأكل من حد التعليم وكان ما أكل منه حلالا لاستوى فيه المعلم وغير المعلم والممسك على صاحبه وعلى نفسه لان كل كلب يطلب الصيد ويمسه لنفسه حتى يموت ان أرسلت عليه واغريته الا المعلم وأما السنة فما روى عن عدى بن حاتم الطائي أنه قال قلت يا رسول الله انا قوم نتصيد بهذه الكلاب والبزاة فما يحل لنا منها فقال عليه الصلاة والسلام يحل لكم ما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن ما علمكم الله فكلوا مما أمسكن عليكم مما علمتموهن من كلب أو باز وذكرتم اسم الله عليه قلت فان قتل قال عليه الصلاة والسلام إذا قتله ولم يأكل منه فكل فإنما أمسك عليك وان اكل فلا تأكل فإنما أمسك على نفسه فقلت يا رسول الله أرأيت ان خالط كلابنا كلاب أخرى قال عليه الصلاة والسلام ان خالطت كلابك كلاب أخرى فلا تأكل فإنك إنما ذكرت اسم الله تعالى على كلبك ولم تذكره على كلب غيرك وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال إذا أكل الكلب من الصيد فليس بمعلم وعنه أيضا أنه قال إذا أكل الكلب فلا تأكل وإذا أكل الصقر فكل لان الكلب يستطيع أن تضربه الصقر لا وعن ابن سيدنا عمر رضي الله عنهما أنه قال إذا أكل الكلب من الصيد فلا تأكل واضربه واما المعقول فمن وجهين أحدهما ان أخذ الصيد وقتله مضاف إلى المرسل وإنما الكلب آلة الاخذ والقتل وإنما يكون مضافا إليه إذا أمسك لصاحبه لا لنفسه لان العامل لنفسه يكون عمله مضاف إليه الا إلى غيره والامساك على صاحبه أن يترك الأكل منه وهو حد التعليم والثاني ان تعليم الكلب ونحوه هو تبديل طبعه وفطامه عن العادة المألوفة ولا يتحقق ذلك الا بامساك الصيد لصاحبه وترك الأكل منه لان الكلب ونحوه من السباع من طباعهم انهم إذا أخذوا الصيد فإنما يأخذونه لأنفسهم ولا يصبرون على أن لا يتناولوا منه فإذا أخذ واحد منهم الصيد ولم يتناول منه دل انه ترك عادته حيث أمسك لصاحبه ولم يأكل منه فإذا أكل منه دل انه على عادته سواء اتبع الصيد إذا أغرى واستجاب إذا دعى أو لا لأنه ألوف في الأصل يجيب إذا دعى ويتبع إذا أغرى فلا يصلح ذلك دليلا على تعلمه فثبت أن معنى التعلم لا يتحقق الا بما قلنا وهو أن يمسك الصيد على صاحبه ولا يأكل منه ثم في ظاهر الرواية عن أبي حنيفة رضي الله عنه لا توقيت في تعليمه انه إذا أخذ صيدا ولم يأكل منه هل يصير معلما أم يحتاج فيه إلى التكرار وكأن يقول إذا كان معلما فكل كذا ذكر في الأصل وهكذا روى بشر بن الوليد رحمه الله عن أبي يوسف قال سألت أبا حنيفة رحمه الله ما حد تعليم الكلب قال إن يقول أهل العلم بذلك أنه معلم وذكر الحسن بن زياد في المجرد عن أبي حنيفة رحمه الله أنه قال لا يأكل ما يصيد أولا ولا الثاني ولو أكل الثالث وما بعده وأبو يوسف ومحمد رحمهما الله قدراه بالثلاث فقالا إذا أخذ صيدا فلم يأكل ثم صاد ثانيا فلم يأكل ثم صاد ثالثا فلم يأكل فهذا معلم فأبو حنيفة رضي الله عنه على الرواية المشهورة عنه أنما رجع في ذلك إلى أهل الصناعة ولم يقدر فيه تقديرا لان حال الكلب في الامساك وترك الأكل يختلف فقد يمسك للتعليم وقد يمسك للشبع ففوض ذلك إلى أهل العلم بذلك وعلى الرواية الأخرى جعل أصل التكرار دلالة التعلم لان الشبع لا يتفق في كل مرة فدل تكرار الترك على التعلم وأبو يوسف ومحمد رحمهما الله قدرا التكرار بثلاث مرات لما أن الثلاث موضوعة لابداء الاعذار أصله قضية سيدنا موسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام مع العبد الصالح حيث قال له في المرة الثالثة ان سألتك على شئ بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا وروى عن سيدنا عمر رضي الله عنه أنه قال من اتجر في شئ ثلاث مرات فلم يربح فلينتقل إلى غيره ثم إذا صار معلما في الظاهر على اختلاف الأقاويل وصاد به صاحبه ثم أكل بعد ذلك فما صاد قبل ذلك لا يؤكل شئ منه إن كان باقيا في قول أبي حنيفة رحمه الله وعند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله يؤكل كله (وجه) قولهما أن أكل الكلب يحتمل أن يكون لعدم التعلم ويحتمل أن يكون مع التعلم لفرط الجوع ويحتمل أن يكون للنسيان لان المعلم قد ينسى فلا يحرم ما تقدم من الصيود بالشك والاحتمال ولأبي حنيفة رحمه الله ان علامة التعلم لما كانت ترك الأكل فإذا أكل بعد ذلك علم أنه لم يكن معلما وان امساكه لم يكن لصيرورته معلما بل
(٥٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الاستصناع فصل أما صورة الاستصناع 2
2 فصل وأما جوازه 2
3 فصل وأما شرائط جوازه 3
4 فصل وأما حكم الاستصناع 3
5 فصل وأما صفة الاستصناع 3
6 كتاب الشفعة 4
7 فصل وأما شرائط وجوب الشفعة 10
8 فصل وأما بيان ما يتأكد به حق الشفعة 17
9 فصل وأما بيان ما يبطل به حق الشفعة 19
10 فصل وأما بيان طريق التملك بالشفعة 23
11 فصل وأما بيان شرط التملك 25
12 فصل وأما بيان ما يتملك بالشفعة 27
13 فصل وأما بيان من يتملك منه الشقص 30
14 فصل وأما بيان حكم اختلاف الشفيع 30
15 فصل وأما بيان الحيلة في اسقاط الشفعة 34
16 فصل وأما الكلام في كراهة الحيلة للاسقاط 35
17 كتاب الذبائح والصيود 35
18 فصل وأما بيان ما يكره من الحيوانات 39
19 فصل وأما بيان شرط حل الاكل في الحيوان 40
20 فصل وأما بيان ما يكره أكله من أجزاء الحيوان المأكول 61
21 كتاب الاصطياد كتاب التضحية 61
22 فصل وأما شرائط الوجوب 63
23 فصل واما وقت الوجوب 65
24 فصل وأما كيفية الوجوب 65
25 فصل وأما محل إقامة الواجب 69
26 فصل وأما شرائط جواز إقامة الواجب 71
27 فصل وأما بيان ما يستحب قبل التضحية وعندها وبعدها وما يكره 78
28 كتاب النذر فصل وأما شرائط الركن 81
29 فصل وأما حكم النذر 90
30 كتاب الكفارات 95
31 فصل وأما بيان كيفية وجوب هذه الأنواع 96
32 فصل وأما شرائط وجوب كل نوع 97
33 فصل وأما شرط جواز كل نوع 99
34 كتاب الأشربة 112
35 كتاب الاستحسان 118
36 كتاب البيوع 133
37 فصل وأما الذي يرجع إلى نفس العقد 136
38 فصل وأما الذي يرجع إلى نفس المعقود عليه 138
39 فصل وأما شرائطها 153
40 فصل وأما ترتيب الولاية 155
41 فصل وأما شرائط الصحة 156
42 فصل وأما شرائط جريان الربا 192
43 فصل وأما شرائط الركن 201
44 فصل وأما الذي يرجع إلى المسلم فيه 207
45 فصل وأما الذي يرجع إلى البدلين جميعا 214
46 فصل وأما بيان ما يجوز من التصرف في المسلم فيه 214
47 فصل وأما الشرائط الخ 215
48 فصل وأما بيان رأس المال 222
49 فصل وأما بيان ما يلحق برأس المال 223
50 فصل وأما بيان ما يجب بيانه في المرابحة 223
51 فصل وأما حكم الخيانة إذا ظهرت 225
52 فصل وأما الاشراك فحكمه حكم التولية الخ 226
53 فصل وأما المواضعة الخ 228
54 فصل وأما شرائط لزوم البيع 228
55 فصل وأما بيان يكره من البياعات 228
56 فصل وأما ما يحصل به التفريق 231
57 فصل وأما صفة البيع 232
58 فصل وأما حكم البيع 233
59 فصل وأما بيان ما يرفع حكم البيع 306