بدائع الصنائع - أبو بكر الكاشاني - ج ٥ - الصفحة ٤٧
في إبطال حرمة ثبتت بالكتاب على أن المذكور فيها من جملة المستثنى الميتة فما الدليل على أن متروك التسمية عمدا ليس بميتة بل هو ميتة عندنا مع أنه لا يجد فيما أوحى إليه محرما سوى المذكور ونحن لا نطلق اسم المحرم على متروك التسمية إذ المحرم المطلق ما ثبتت حرمته بدليل مقطوع به ولم يوجد ذلك في محل الاجتهاد إذا كان الاختلاف بين أهل الديانة وإنما نسميه مكروها أو محرما في حق الاعتقاد قطعا على طريق التعيين بل على الابهام ان ما أراد الله عز وجل من هذا النهى فهو حق لكنا نمتنع عن أكله احتياطا وهو تفسير الحرمة في حق العمل (وأما) الكلام مع مالك رحمه الله فهو احتج بعموم قوله تبارك وتعالى ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه من غير فصل بين العمد والسهو ولان التسمية لما كانت واجبة حالة العمد فكذا حالة النسيان لان النسيان لا يمنع الوجوب والحظر كالخطأ حتى كان الناسي والخاطئ جائز المؤاخذة عقلا ولهذا استوى العمد والسهو في ترك تكبيرة الافتتاح والطهارة وغيرها من الشرائط والكلام في الصلاة عمدا أو سهوا عندكم كذا ههنا (ولنا) ما روى عن راشد بن سعد عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال ذبيحة المسلم حلال سمى أو لم يسم ما لم يتعمد وهذا نص في الباب وأما الآية فلا تتناول متروك التسمية لوجهين أحدهما أنه قال عز وجل وانه لفسق أي ترك التسمية عند الذبح فسق وترك التسمية سهوا لا يكون فسقا وكذا كل متروك التسمية سهوا لا يلحقه سمة الفسق لان المسألة اجتهادية وفيها اختلاف الصحابة فدل ان المراد من الآية الكريمة متروك التسمية عمدا لا سهوا والثاني ان الناسي لم يترك التسمية بل ذكر اسم الله عز وجل والذكر قد يكون باللسان وقد يكون بالقلب قال الله تعالى ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا والناسي ذاكر بقلبه لما روى عن ابن عباس رضي الله عنهما انه سئل عن رجل ذبح ونسي أن يذكر اسم الله عليه فقال رضي الله عنه اسم الله عز وجل في قلب كل مسلم فليأكل وعنه في رواية أخرى قال إن المسلم ذكر الله في قلبه وقال كما لا ينفع الاسم في الشرك لا يضر النسيان في الاسلام وعنه رضي الله عنه في رواية أخرى قال في المسلم اسم الله تعالى فإذا ذبح ونسي ان يسمى فكل وإذا ذبح المجوسي وذكر اسم الله تعالى فلا تطعمه وعن سيدنا علي رضي الله عنه سئل عن هذا فقال إنما هي علة المسألة فثبت ان الناسي ذاكر فكانت ذبيحته مذكور التسمية فلا تتناولها الآية الكريمة واما قوله إن النسيان لا يدفع التكليف ولا يدفع الحظر حتى لم يجعل عذرا في بعض المواضع على ما ضرب من الأمثلة فنقول النسيان جعل عذرا مانعا من التكليف والمؤاخذة فيما يغلب وجوده ولم يجعل عذرا فيما لا يغلب وجوده لأنه لو لم يجعل عذرا فيما يغلب وجوده لوقع الناس في الحرج والحرج مدفوع والأصل فيه ان من لم يعود نفسه فعلا يعذر في تركه واشتغاله بضده سهوا لان حفظ النفس عن العادة التي هي طبيعة خامسة خطب صعب وأمر أمر فيكون النسيان فيه غالب الوجود فلو لم يعذر للحقه الحرج وليس كذلك إذا لم يعود نفسه مثاله ان الأكل والشرب من الصائم سهوا جعل عذرا في الشرع حتى لا يفسد صومه لأنه عود نفسه ذلك ولم يعودها ضده وهو الكف عن الأكل والشرب ولم يجعل ذلك عذرا في المصلى لأنه لم يعود نفسه ذلك في كل زمان بل في وقت معهود وهو الغداة والعشي خصوصا في حال الصلاة التي تخالف أوقات الأكل والشرب فكان الأكل والشرب فيها في غاية الندرة فلم يجعل عذرا والكلام في الصلاة من هذا القبيل لان حالة الصلاة تمنع من ذلك عادة فكان النسيان فيها نادرا فلم يجعل عذرا وكذلك ترك تكبيرة الافتتاح سهوا لان الشروع في الصلاة يكون بها وتركها سهوا عند تصميم العزم على الشروع فيها مما يندر فلم يعذر وكذا ترك الطهارة عند حضور وقت الصلاة سهوا لان المسلم على استعداد الصلاة عند هجوم وقتها عادة فالشروع في الصلاة من غير طهارة سهوا يكون نادرا فلا يعذر ويلحق بالعدم فأما ذكر اسم الله تعالى فأمر لم يعوده الذابح نفسه لان الذبح على مجرى العادة يكون من القصابين ومن الصبيان الذين لم يعودوا أنفسهم ذكر الله عز وجل فترك التسمية منهم سهوا لا يندر وجوده بل يغلب فجعل عذرا دفعا للحرج فهو الفرق بين هذه الجملة والله سبحانه وتعالى هو الموفق وإذا ثبت ان التسمية حالة الذكر من شرائط الحل عندنا فبعد ذلك يقع الكلام في بيان ركن التسمية وفي بيان شرائط الركن وفي بيان وقت التسمية أما ركنها فذكر اسم الله عز وجل أي اسم كان
(٤٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الاستصناع فصل أما صورة الاستصناع 2
2 فصل وأما جوازه 2
3 فصل وأما شرائط جوازه 3
4 فصل وأما حكم الاستصناع 3
5 فصل وأما صفة الاستصناع 3
6 كتاب الشفعة 4
7 فصل وأما شرائط وجوب الشفعة 10
8 فصل وأما بيان ما يتأكد به حق الشفعة 17
9 فصل وأما بيان ما يبطل به حق الشفعة 19
10 فصل وأما بيان طريق التملك بالشفعة 23
11 فصل وأما بيان شرط التملك 25
12 فصل وأما بيان ما يتملك بالشفعة 27
13 فصل وأما بيان من يتملك منه الشقص 30
14 فصل وأما بيان حكم اختلاف الشفيع 30
15 فصل وأما بيان الحيلة في اسقاط الشفعة 34
16 فصل وأما الكلام في كراهة الحيلة للاسقاط 35
17 كتاب الذبائح والصيود 35
18 فصل وأما بيان ما يكره من الحيوانات 39
19 فصل وأما بيان شرط حل الاكل في الحيوان 40
20 فصل وأما بيان ما يكره أكله من أجزاء الحيوان المأكول 61
21 كتاب الاصطياد كتاب التضحية 61
22 فصل وأما شرائط الوجوب 63
23 فصل واما وقت الوجوب 65
24 فصل وأما كيفية الوجوب 65
25 فصل وأما محل إقامة الواجب 69
26 فصل وأما شرائط جواز إقامة الواجب 71
27 فصل وأما بيان ما يستحب قبل التضحية وعندها وبعدها وما يكره 78
28 كتاب النذر فصل وأما شرائط الركن 81
29 فصل وأما حكم النذر 90
30 كتاب الكفارات 95
31 فصل وأما بيان كيفية وجوب هذه الأنواع 96
32 فصل وأما شرائط وجوب كل نوع 97
33 فصل وأما شرط جواز كل نوع 99
34 كتاب الأشربة 112
35 كتاب الاستحسان 118
36 كتاب البيوع 133
37 فصل وأما الذي يرجع إلى نفس العقد 136
38 فصل وأما الذي يرجع إلى نفس المعقود عليه 138
39 فصل وأما شرائطها 153
40 فصل وأما ترتيب الولاية 155
41 فصل وأما شرائط الصحة 156
42 فصل وأما شرائط جريان الربا 192
43 فصل وأما شرائط الركن 201
44 فصل وأما الذي يرجع إلى المسلم فيه 207
45 فصل وأما الذي يرجع إلى البدلين جميعا 214
46 فصل وأما بيان ما يجوز من التصرف في المسلم فيه 214
47 فصل وأما الشرائط الخ 215
48 فصل وأما بيان رأس المال 222
49 فصل وأما بيان ما يلحق برأس المال 223
50 فصل وأما بيان ما يجب بيانه في المرابحة 223
51 فصل وأما حكم الخيانة إذا ظهرت 225
52 فصل وأما الاشراك فحكمه حكم التولية الخ 226
53 فصل وأما المواضعة الخ 228
54 فصل وأما شرائط لزوم البيع 228
55 فصل وأما بيان يكره من البياعات 228
56 فصل وأما ما يحصل به التفريق 231
57 فصل وأما صفة البيع 232
58 فصل وأما حكم البيع 233
59 فصل وأما بيان ما يرفع حكم البيع 306