المبسوط - السرخسي - ج ٥ - الصفحة ١٨
لان أكثر ما في الباب أن يأمر غير من أحد الجانبين فيكون مأموره قائما مقامه وهو الولي من الجانبين شرعا فيملك مباشرة العقد وهو نظير ما قلتم في الأب إذا باع مال ولده من نفسه بمثل قيمته يجوز ولا يجوز يبعه من غيره ووجه قول علمائنا قوله تعالى وان خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى أي في نكاح اليتامى فهو دليل على أن للولي أن يزوج وليته من نفسه وكذا قوله تعالى وترغبون أن تنكحوهن دليل على أن للولي أن يزوج وليته من نفسه وفي الحديث أن شرط علي رضي الله تعالى عنه أتوه بشيخ من جارية فسأله عن قصتها فقال إنها ابنة عمي وأني خشيت أنها إذ بلغت ترغب عنى فتزوجتها فقال خذ بيد امرأتك والمعني فيه أن العاقد في باب النكاح سفير ومعبر والواحد كما يصلح أن يكون معبرا عن الواحد يصلح أن يكون معبرا عن اثنين ودليل الوصف أنه لا يستغنى عن إضافة العقد إلى الزوجين وبه يظهر الفرق بينه وبين البيع فإنه يستغنى عن إضافة العقد إلى غيره فكان مباشرا للعقد لا معبرا توضيحه ان حقوق العقد في باب البيع تتعلق بالعاقد فإذا باشر العقد من الجانبين يؤدي إلى تضاد الاحكام لأنه يكون مطالبا مطالبا مسلما مستلما مخاصما مخاصما وفي باب النكاح لا تتعلق الحقوق بالعقد فلا يؤدي إلى تضاد الاحكام ولهذا قلنا ببيع الأب مال ولده من نصيبه لأنه في جانب الصغير يكون ملزما إياه حقوق العقد بولايته عليه حتى إذا بلغ كانت الخصومة في ذلك إليه دون الأب بخلاف بيعه من غيره فلا يؤدي إلى تضاد الاحكام توضيحه ان البيع لا يصح الا بتسمية الثمن فإذا تولاه من الجانبين كان مستزيدا مستنقصا وذلك لا يجوز والنكاح يصح من غير تسمية المهر فلا يؤدي إلى هذا المعني إذا باشره الواحد من الجانبين وعلى هذا روى ابن سماعة عن محمد رحمهما الله تعالى في الكتابة أن الواحد لا يباشره من الجانبين لأنه لا يصح الا بتسمية البدل فأما على ظاهر الرواية يجوز لان حقوق العقد في الكتابة لا تتعلق بالعاقد بل هو معتبر كما في النكاح ولا حجة لهم في هذا الحديث لان هذا النكاح قد حضره أربعة معنى فإنه إذا اجتمع وصفان في واحد كان بمنزلة المثنى من حيث المعنى لاعتبار كل صفة على حدة فان هذا الواحد إذا كان وليا أو وكيلا من أحد الجانبين دون الآخر وفضوليا من الجانب الآخر أو لم يكن وليا ولا وكيلا من الجانبين ولكنه فضولي باشر النكاح بمحضر من الشهود فبلغ الزوجين فأجازاه لم يجز في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى وهو قول أبي يوسف رحمه الله تعالى الأول وجاز في قوله الآخر وكذلك لو قال الزوج بين يدي الشهود
(١٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 ... » »»
الفهرست