المبسوط - السرخسي - ج ٥ - الصفحة ١٦
النجاشي منه وكان هو وليها بالسلطنة وروى أنه زوجها منه قبل أن يكتب به رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابه وكلاهما حجة لنا على أن النكاح تلحقه الإجازة وان الخطبة بالكتاب تصح وهذا لان الكتاب ممن نأي كالخطاب ممن دنى فان الكتاب له حروف ومفهوم يؤدي عن معنى معلوم فهو بمنزلة الخطاب من الحاضر وكان الحسن بن حي رحمه الله تعالى يقول لا ينعقد النكاح بالكتاب لعظم خطر أمر النكاح وهذا فاسد فان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مأمورا بتبليغ الرسالة بقوله تعالى يا أيها الرسول بلغ وقد بلغ تارة بالكتاب وتارة باللسان فإنه كتب إلى ملوك الآفاق يدعوهم إلى الدين وكان ذلك تبليغا تاما فكذلك في عقد النكاح الكتاب بمنزلة الخطاب الا انه إذا كتب إليها فبلغها الكتاب فقالت زوجت نفسي منه بغير محضر من الشهود لا ينعقد النكاح كما في حق الحاضر فان النبي صلى الله عليه وسلم قال لا نكاح الا بشهود ولو قالت بين يدي الشهود زوجت نفسي منه لا ينعقد النكاح أيضا لان سماع الشهود كلام المتعاقدين شرط لجواز النكاح وإنما سمعوا كلامها هنا لا كلامه ولو كانت حين بلغها الكتاب قرأته على الشهود وقالت إن فلانا كتب إلي يخطبني فاشهدوا اني قد زوجت نفسي منه فهذا صحيح لأنهم سمعوا كلام الخاطب باسماعها إياهم إما بقراءة الكتاب أو العبارة عنه وسمعوا كلامها حيث أوجبت العقد بين أيديهم فلهذا تم النكاح وهذا بخلاف البيع فان المكتوب إليه إذا قال هناك بعت هذه العين من فلان بكذا جاز وإن لم يكن بحضرة الشهود أو كان بحضرتهم ولم يقرأ الكتاب عليهم لان البيع يصح بغير شهود كما في الحاضر إلا أنه ذكر في الكتاب في البيع أنه إذا كتب إليه أن بعني كذا بكذا فقال بعت يتم البيع وقد طعنوا في هذا فقالوا أن البيع لا ينعقد بهذا اللفظ من الحاضر فان من قال لغيره بع عبدك منى بكذا فقال بعت لا ينعقد ما لم يقل الثاني اشتريت لأنه لابد في البيع من لفظين هما عبارة عن الماضي بخلاف النكاح فان النكاح ينعقد بلفظين أحدهما عبارة عن الماضي والآخر عن المستقبل والشافعي ومحمد رحمهما الله تعالى سويا بينهما والفرق لعلمائنا رحمهم الله تعالى أن البيع يقع بغتة وفلتة فقوله يعني يكون استياما عادة فلا بد من الايجاب والقبول بعده فأما النكاح يتقدمه خطبة ومراودة فقلما يقع بغتة فقوله زوجني يكون أحد شطرى العقد توضيح الفرق أن قوله زوجيني نفسك تفويض للعقد إليها وكلام الواحد في باب النكاح يصلح لاتمام العقد إذا كان الامر مفوضا
(١٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 ... » »»
الفهرست