مواهب الجليل - الحطاب الرعيني - ج ٣ - الصفحة ٥٠٦
وحاصله أن العمل لأجل حظ النفس داخل في الرياء عار عن الاخلاص كمن صام ليستنفع بالحمية، ومن يعتق عبدا ليخلص من مؤنته أو يغزو ليمارس الحرب ونحو ذلك قال: وليس الاعتبار بلفظ الرياء واشتقاقه من الرؤيا وسميت هذه الإرادة الفاسدة رياء لأنها أكثر ما تقع من قبل رؤية الناس. قاله في المنهاج. وتلخيص الحكم في ذلك العمل إذا كان خالصا لله فهو سبب الثواب، وإن كان خالصا للرياء أو لحظ النفس فهو سبب العقاب لا لأن طلب الدنيا حرام ولكن طلبها بأعمال الدين حرام لما فيه من الرياء وتغيير العبادة عن وضعها. وإن اختلط القصدان فإن كان الباعث الديني مساويا للباعث النفسي تقاوما وتساقطا وصار العمل لا له ولا عليه، وإن كان الباعث النفسي أقوى وأغلب فليس العمل بنافع بل هو مضر. نعم هو أخف من العمل المتجرد لحظ الدنيا، وإن كان الباعث الديني أقوى فله ثواب بقدر ما فضل من قوة الباعث الديني لقوله تعالى: * (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره) * وقوله: * (إن الله لا يظلم مثقال ذرة) * وليس من خرج بنية التجارة والحج من أمثلة هذه المسألة لأنه إذا سلم من قصد الرياء فإنما يحمله على الاحرام ومباشرة المناسب الباعث الديني لأنه كان يمكنه أن يحضر الحج ويتجرد من غير إحرام. نعم لو كان كل من أحرم بالحج يعطى له مال لأمكن أن يفرض من صور المسألة ويصير كمن خرج للجهاد بنية الغنيمة وإعلاء كلمة الاسلام فيأتي فيه التفضيل. وأما سفره من بلده إلى مكة فيدخله التفصيل.
وقد قال حجة الاسلام في الكتاب المذكور: الاجماع على أن من خرج حاجا ومعه تجارة صح حجه وأثيب عليه وقد امتزج به حظ من حظوظ النفس. نعم يمكن أن يقال: إنما يثاب على أعمال الحج عند انتهائه إلى مكة وتجارته غير موقوفة عليه فهو خالص، وإنما المشترك طول المسافة ولكن الصواب أن يقال: مهما كان الحج هو المحرك الأصلي وغرض التجارة كالمعين والتابع فلا ينفك نفس السفر عن ثواب. وما عندي أن الغزاة لا يدركون في أنفسهم تفرقة بين غزو الكفار في جهة تكثر فيها الغنائم وبين جهة لا غنيمة فيها، ويبعد أن يقال:
إدراك هذه التفرقة يحبط بالكلية ثواب جهادهم بل العدل أن يقال: إذا كان الباعث الأصلي والمزعج القوي هو إعلاء كلمة الله وإنما الرغبة في الغنيمة على سبيل التبع فلا يحبط به الثواب.
نعم لا يساوي ثوابه ثواب من لا يلتفت إلى الغنيمة أصلا فإن هذا الالتفات نقصان لا محالة.
وقال بعده: ويبعد أن يقال من كان داعيته الدينية تزعجه إلى الغزو وإن لم تكن غنيمة وقدر على غزو طائفتين من الكفار إحداهما غنية والأخرى فقيرة فمال إلى جهة الأغنياء لإعلاء كلمة الله وللغنيمة أنه لا ثواب له على عزوه البتة، ونعوذ بالله أن يكون الامر كذلك فإن هذا حرج في الدين ومدخل لليأس على المسلمين لأن أمثال هذه الشوائب التابعة قد لا ينفك الانسان عنها إلا على الندور فيكون تأثير هذا في نقصان الثواب، وأما أن يكون في إحباطه فلا. نعم
(٥٠٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 501 502 503 504 505 506 507 508 509 510 511 ... » »»
الفهرست