مواهب الجليل - الحطاب الرعيني - ج ٢ - الصفحة ٣٣
الصائم، وقيل: لا من الليل ولا من النهار. وقال في الطراز: مما يتكلم أهل العلم فيه هل صلاة الصبح من صلاة النهار أم لا؟ فمن قائل إنها من صلاة النهار. ويحكى عن الأعمش أنها من صلاة الليل وأن ما قبل طلوع الشمس يحل فيه الطعام والشراب للصائم. نقل ذلك ابن الصباغ في شامله وهو بعيد عن قول الله تعالى: * (حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر) * وقد ظهر تحريم الاكل بطلوع الفجر عند الخاص والعام وفي كل عصر ومصر، فإن احتج لهذا المذهب المنكر بقوله تعالى: * (فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة) * وآية النهار الشمس، وبقوله (ص) صلاة النهار عجماء فنقول: لا حجة في الآية لأنها تقتضي أن الشمس آية النهار وهل له آية أخرى ما تعرضت الآية لذلك بنفي ولا إثبات. ويقال: الفجر حاجب الشمس، فقال الدارقطني: فيه لم يرو هذا عن رسول الله (ص). وإنما هو من قول الفقهاء على أن مقصوده معظم النهار، ألا ترى أن صلاة الجمع والعيدين غير عجماء؟ وذكر استدلالا آخر من كلام العرب وأطال في ذلك، ثم ذكر لما تكلم على الاحتجاج أن الصلاة الوسطى هي الصبح فقال: أما إن راعينا الوسط من حيث الوقت فالصبح أولى بذلك لأنها مقتطعة عما قبلها وعما بعدها لا يشارك وقتها وقت صلاة بخلاف سائر الصلوات حتى قال قوم: إن وقتها ليس من الليل ولا من النهار انتهى. وقال القاضي عبد الوهاب في شرح الرسالة: قد ذكرنا أن صلاة الفجر تجب بطلوع الفجر الثاني وهو ابتداء النهار وأن ذلك الوقت يحرم الطعام والشراب على الصائم، وهذا قولنا وقول كافة الفقهاء. وحكي عن قوم أن أول النهار من طلوع الشمس وأن صلاة الصبح من صلاة الليل وعن آخرين أنها من صلاة اليوم وليست من صلاة الليل ولا من صلاة النهار، وكل ذلك باطل غير صحيح. والذي يدل على صحة قولنا وفساد ما خالفه أن الله ذكر الليل والنهار ولم يذكر وقتا ثالثا، فوجب أن لا ينفك العالم منهما فإذا بطل أن تكون من صلاة الليل ثبت أن تكون من صلاة النهار، ويدل عليه قوله: * (أقم الصلاة طرفي النهار) * ولا خلاف أن المراد بأحد الطرفين الصبح فثبت أنها من صلاة النهار، ويدل عليه قوله تعالى: * (وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض) * قال ابن عباس: الخيط الأبيض هو الصبح المنفلق، والخيط الأسود هو سواد الليل. فدل على أنه لا واسطة بينهما انتهى. وكلام اللخمي في أوقات النوافل يقتضي أن النهار من طلوع الشمس فتأمله.
ولا خلاف أن أول وقتها طلوع الفجر الصادق وهو الضياء المعترض في الأفق، ويقال له الفجر المستطير بالراء - أي المنتشر الشائع. قال الله تعالى: * (ويخافون يوما كان شره مستطيرا) * وقال في الطراز: الفجر المستطير شبه بالطائر يفتح جناحيه وهو الفجر الثاني، وأما الفجر الأول فيقال له: المستطيل - باللام - لأنه يصعد في كبد السماء. قال في الطراز: كهيئة الطيلسان ويشبه ذنب السرحان. بكسر السين المهملة. وهو الذئب والأسد
(٣٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 ... » »»
الفهرست