مواهب الجليل - الحطاب الرعيني - ج ١ - الصفحة ٦٢
الشئ بعد أن لم يكن، ويطلق في الشرع على أربعة معان: على الخارج المعتاد كما سيأتي إن شاء الله في فصل نواقض الوضوء، وعلى نفس الخروج كما في قولهم: آداب الحدث، وعلى الوصف الحكمي المقدر قيامه بالأعضاء قيام الأوصاف الحسية كما في قولهم: يمنع الحدث كذا وكذا، وعلى المنع المرتب على الثلاثة كما في قولهم هنا: يرفع الحدث أي المنع المترتب على أعضاء الوضوء أو الغسل، ويصح أن يراد هنا بالحدث المعنى الثابت الذي هو الوصف لأنهما متلازمان فإذا ارتفع أحدهما ارتفع الآخر. ولا يقال: لا نسلم أنهما متلازمان فإن التيمم يرفع المنع لأنه تستباح به الصلاة وغيرها، ولا يرفع الوصف القائم بالأعضاء لان المشهور أنه لا يرفع الحدث فلا تلازم بينهما لأنا نقول التيمم لا يرفع المنع رفعا مطلقا وإنما هو رخصة فيرفع المنع عما يستباح به على وجه مخصوص وهو عدم الماء، فلا يستباح به إلا فريضة واحدة في حال عدم الماء، ولو وجد الماء قبل فعل ذلك المستباح عاد المنع ولم يستبح به شيئا، فالتيمم رخصة لاستباحة بعض الأشياء التي يمنعها الحدث على وجه مخصوص فالوصف والمنع باقيان، وقد أشار ابن عرفة إلى هذا عند الكلام على النية في الوضوء فتأمله والله أعلم. وأنكر ابن دقيق العيد المعنى الثالث من معاني الحدث وقال: إنه ذكره بعض الفقهاء وهم مطالبون بدليل شرعي يدل على ثبوته، فإنه منفي بالحقيقة والأصل موافقة الشرع لها ويبعد أن يأتوا بدليل على ذلك.
وأقرب ما يذكر فيه أن الماء المستعمل انتقل إليه المانع كما يقال ثم رد ذلك وقال: المسألة مختلف فيها فقد قال جماعة بطهورية الماء المستعمل، ولو قيل بعدم طهوريته أو بنجاسته لم يلزم منه انتقال مانع إليه، انتهى من شرح العمدة له. وأما المعنيان الأولان فلا تصح إرادتهما.
هذا إذا لم يمكن رفعهما، وتجويز ذلك على حذف مضاف أي حكم الحدث كما أشار إلى ذلك البساطي ففيه تعسف وتكلف لا يحتاج إليه. والخبث بفتحتين أيضا وهو النجاسة، وإنما قال: حكم الخبث لان عين النجاسة تزول بغير الماء، وأما حكمها وهو كون الشئ نجسا في الشرع لا تباح ملابسته في الصلاة والغذاء فلا يرتفع إلا بالماء المطلق. وأما موضع الاستجمار والسيف الصقيل ونحوه إذا مسح، والخف والنعل إذا دلكا من أبوال الدواب وأرواثها، فالمحل محكوم له بالنجاسة، وإنما عفي عنه للضرورة خلافا لما قد تعطيه عبارة البساطي. وقد عد ابن الحاجب وغيره موضع الاستجمار فيما تقدم ذكره في المعفوات، ولا ينافي هذا ما تقدم عن القرافي أعني قوله: إن إطلاق النجاسة على المعفو مجاز، لان ذلك - أي إطلاق - اسم النجاسة على المعفوات بالنظر إلى أصل معنى النجاسة الحقيقي في الشرع وليس فيه ما ينفي إطلاق النجاسة عليها مطلقا شرعا فتأمله والله أعلم. ولم يقل المصنف رافع الحدث وحكم الخبث لان نسبة الرفع للماء مجاز، وتصدير الباب بهذه الجمل وسياقها مساق الحد لما يرفع) به الحدث وحكم الخبث يفيد الحصر وإن لم يكن في الكلام أداة حصر فكأنه قال: إنما يرفع الحدث وحكم الخبث بالماء المطلق، فأما رفع الحدث فمتفق عليه بل حكى الغزالي رحمه الله الاجماع
(٦٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 57 58 59 60 61 62 63 64 65 66 67 ... » »»
الفهرست