مواهب الجليل - الحطاب الرعيني - ج ١ - الصفحة ٣٣٧
عنها فهي نية حكمية بمعنى أن الشرع حكم باستصحابها. وكذلك الاخلاص والايمان والنفاق والرياء وجميع هذا النوع من أحوال القلوب إذا شرع فيها واتصف القلب بها كانت فعلية، ثم إذا ذهل عنها حكم صاحب الشرع ببقاء أحكامها لمن اتصف بها حتى لو مات الانسان مغمورا بالمرض لحكم له صاحب الشرع بالاسلام المتقدم بل بالولاية أو الصديقية وجميع المعارف، وعكسه يحكم له بالكفر ثم يكون يوم القيامة، كذلك، ومنه قوله تعالى * (إنه من يأت ربه مجرما) * (طه: 74) مع أنه يوم القيامة لا يكون أحد مجرما ولا كافرا وسيأتي الكلام على هذا أيضا عند الكلام على عزوبها.
الثامن: في أقسام المنوي وأحواله. المنوي من العبادات ضربان: أحدهما مقصود في نفسه كالصلاة، والثاني مقصود لغيره وهو قسمان: أحدهما مع كونه مقصودا لغيره فهو أيضا مقصود لنفسه كالوضوء فإنه نظافة مشتملة على المصلحة وهو مطلوب للصلاة مكمل لحسن هيآتها، والثاني مقصود لغيره فقط كالتيمم، ويدل على ذلك أن الشرع أمر بتجديد الوضوء دون التيمم، والمقصود إنما هو تمييز المقصود لنفسه لأنه المهم فلا جرم إذا نوى التيمم دون استباحة الصلاة فقولان للعلماء بالنية: أحدهما أنه لا يجزئه لأنه نوى ما ليس بمقصود في نفسه، والثاني يجزئه لكونه عبادة. والذي هو مقصود لنفسه أو لغيره يتخير المكلف بين قصده له لكونه مقصودا في نفسه، وبين قصده للمقصود منه دونه. فالأول كقصده الوضوء، والثاني كقصده استباحة الصلاة، فإن نوى الصلاة أو شيئا لا يقدم عليه، إلا بارتفاع الحدث الذي هو الاستباحة صح لاستلزام هذه الأمور رفع الحدث، ويتعلق بهذا فروع يأتي ذكرها.
التاسع: في معنى قول الفقهاء المتطهر ينوي رفع الحدث وقد تقدم الكلام على هذا عند قول المصنف يرفع الحدث.
العاشر: في معنى قول الفقهاء النية تقبل الرفض وفي معنى عزوبها، وسيأتي عند قول المصنف وعزوبها بعده ورفضها مغتفر والله تعالى أعلم. فهذا ما يتعلق بالكلام على الأبحاث المتعلقة بالنية مختصرا من كلام القرافي في الذخيرة وكتاب الأمنية، ومما نقله صاحب الجمع عن ابن راشد، ومن التوضيح.
ولنرجع إلى حل كلام المصنف. فقوله ونية رفع الحدث عند وجهه أو الفرض أو استباحة ممنوع يشير به إلى أن كيفية النية ثلاثة أوجه لأن النية كما تقدم هي القصد إلى الشئ والعزم عليه. قاله المازري وغيره. فالنية في الوضوء هي القصد إليه بتخصيصه ببعض أحكامه كرفع الحدث أي الوصف القائم بالأعضاء قيام الأوصاف الحسية، أو المنع المترتب على ذلك الوصف إذ هما متلازمان كما تقدم عند قوله يرفع الحدث، وهذا هو الفرق بين التيمم
(٣٣٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 332 333 334 335 336 337 338 339 340 341 342 ... » »»
الفهرست