إن خير من استأجرت القوى الأمين، قال إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج فإن أتممت عشرا فمن عندك) وروى ابن ماجة عن عتبة بن المنذر قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فقرأ (طس) حتى إذا بلغ قصة موسى قال (إن موسى عليه السلام أجر نفسه ثماني حجج أو عشرا على عفة فرجه وطعام بطنه) وقال تعالى (فوجد فيها جدارا يريد أن ينقض فأقامه، قال لو شئت لاتخذت عليه أجرا) وأما السنة فقد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر استأجرا عبد الله بن الأريقط الديلي وكان خريتا - وهو الخبير بمسالك الصحراء والوهاد العالم بجغرافية بلاد العرب على الطبيعة - ليكون هاديا ومرشدا لهما في هجرتهما من مكة إلى المدينة.
وفى البخاري عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حرا فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يوفه أجره) والأحاديث في هذا كثيرة أما الاجماع فقد انعقد بين أهل العلم في كل عصر وكل مصر على جواز الإجارة إلا ما روى عن عبد الرحمن الأصم الذي قيل فيه: إنه عن الحق أصم من أنه لا يجوز ذلك لأنه غرر، لأنه يعقد على منافع لم تخلق، ولو تحقق ما يتصوره الأصم صوابا لتعطلت الصنائع والمساكن والمتاجر والموصلات بكل أنواعها لأنها كلها - وهي تستغرق مظاهر الحياة قديما وحديثا - قائمة على المؤاجرات والمعاوضات على المنافع كالمعاوضات على الأعيان سواء بسواء. بل إن المعاوضات على المنافع أوسع مدى وأكثر عددا وأشمل مرفقا، ولان المنافع المتاحة أوسع آفاقا من الأعيان والعروض.
فإذا ثبت هذا فإن الإجارة كالبيع تنعقد بأربعة: بمؤجر ومستأجر ومؤاجر وأجرة. فالأول فهو باذل المنفعة كالبائع، والثاني طالب المنفعة كالمشتري، وكل من صح شراؤه صح استئجاره. والثالث فهو كل عين صح الانتفاع بها مع بقائها صحت إجارتها كالدور والعقار إذا لم يكن المقصود من منافعها أعيانا كالنخل