فجر بها فهرب وقامت البينة عليها فأمر عمر بجلدها. فقال لهم: ردوها إليه وقولوا له: أما علمت أن هذه مجنونة آل فلان وأن النبي صلى الله عليه وآله قال:
رفع القلم عن المجنون حتى يفيق، وأنها مغلوبة على عقلها ونفسها، فردوها إليه فدرأ عنها الحد (1).
وأما ما قد يتوهم من أن مقتضى هذه الأخبار هو عدم إقامة الحد على المجنون حال جنونه وأما بالنسبة إلى بعد إفاقته فلا دليل على عدم إقامته عليه، وعلى هذا فيقام عليه الحد بعد حصول الإفاقة له، فهو غير تام.
وذلك لأن مقتضى رفع القلم عن المجنون هو عدم شئ عليه وأنه لا يترتب على فعله أثر أصلا والاشكال الجاري في عقوبة المجنون حال جنونه جار في عقوبته حال إفاقته لما أتى به في حال جنونه إلا أن يرتكب المعصية في حال صحته وإفاقته فيعاقب على فعله والمسلم المتيقن عقوبته على ذلك في خصوص حال إفاقته وأما في حال جنونه فهو محل الكلام ويأتي في محله إن شاء الله تعالى.
إن قلت: فما تقول في تعزير الصبي فكما أنه يجوز ذلك هكذا يجوز اجراء الحد على المجنون.
نقول: لو كان تعزير الصبي بمعنى عقوبته على فعله لجرى فيه الاشكال المزبور حرفا بحرف. لكن الظاهر أن تعزير الصبي بمعنى تأديبه ولأجل أن لا يعتاد على الذنب بل يدعه ويتركه في القابل كما ترى أنه قد يضرب الحيوان كيلا يعود إلى ما فعله - وعلى ذلك يأول ما ورد من تعزير الزاني المجنون أيضا كخبر أصبغ بن نباته قال:
أتي عمر بخمسة نفر أخذوا في الزنا فأمر أن يقام على كل واحد منهم الحد وكان أمير المؤمنين عليه السلام حاضرا فقال: يا عمر ليس هذا حكمهم قال: فأقم أنت الحد عليهم فقدم واحدا منهم فضرب عنقه وقدم الآخر فرجمه وقدم الثالث فضربه الحد وقدم الرابع فضربه نصف الحد وقدم الخامس فعزره