وحينئذ لم يبق شئ سوى فعل المعصوم وصدوره عن الإمام عليه السلام وهو يدل على جواز ذلك لا محالة وإن لم يكن الفعل دليلا على الوجوب.
ثم قال في الجواهر: ولذا كان المستحب للشهود ترك إقامتها سترا على المؤمن إلا إذا اقتضى ذلك فسادا.
أقول: لو تعلق هذه الجملة بقوله من قبل: " وليس بلازم للأصل والاطلاقات " كما هو مقتضى ظاهر الكلام وقربها منه وعدم الفاصلة بين الجملتين فلا يلتئم الكلام أصلا لعدم ربط بين الكلامين كي يعلل أحدهما بالآخر ويترتب أحدهما على الآخر، فلم يبق إلا أن تتعلق هذه الجملة بما سبق من أن الاحتياط يقتضي تفريق الشهود في الأداء حتى يستنطق كل واحد منهم بعد واحد وفي غياب منه فيستظهر في الحدود ويتضح الأمر جدا ويعلم أنه لم يكن هناك تواطئ وتوطئة، وعلى هذا فكأنه قيل: ينبغي الاستظهار حتى لا يقع حد الزنا بسهولة وسرعة بل تختلف الشهادات ببركة التفريق فلا يقع هذا الحد ولذا يستحب ترك إقامة الشهادة أيضا.
وبتعبير آخر: فكما أنه يستحب ترك إقامة الشهادة للستر على المؤمن كذلك ينبغي تفريق الشهود كي لا يفتضح المؤمن ولا يجري عليه حد الزنا، لاحتمال انتهائه إلى اختلافهم في الشهادة وعدم ثبوت حد الزنا.
لكن لا يخفى أن نفس هذا الكلام " أي استحباب ترك الإقامة " محل التأمل والاشكال وذلك لأن إقامة الشهادة واجبة من باب إقامة الدين واحياء معالم الشريعة والنهي عن المنكر، فلا يجوز تركها إذا لم يترتب عليها فساد، لأنها إما واجبة عينا إذا انحصر من يقوم بالشهادة بهذه الشهود أو كفائيا إذا كان هناك من يقوم بها وعلى أي حال فلا يصح الحكم باستحباب تركها.
إن قلت أو ليس قوله رحمه الله: إلا إذا اقتضى ذلك فسادا، جوابا عن هذا الاشكال؟ فإنه قال باستحباب ذلك بشرط عدم لزوم فساد وإلا فهي واجبة (1).