والذي يوضح ذلك أن الاسلام قابل بالكفر في القرآن في الآيات الكثيرة والايمان بالاسلام في قوله تعالى: قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الايمان في قلوبكم (1)، إذ لو كان المراد من الايمان هو الاسلام لما قابلا في هذه الآية الشريفة.
وقد منع المصنف عن بيع المخالف ولو كان منافقا نعلم كفره، بدعوى أن المراد من المؤمن في آية نفي السبيل إنما هو المقر بالشهادتين، ونفيه عن الأعراب الذين قالوا آمنا ولما يدخل الايمان في قلوبكم إنما كان لعدم اعتقادهم بما أقروا.
فالمراد بالاسلام هنا أن يسلم نفسه لله ورسوله في الظاهر لا الباطن، بل قوله تعالى: ولما يدخل الايمان في قلوبكم، دل على أن ما جري على ألسنتهم من الاقرار بالشهادتين كان ايمانا في خارج القلب، والحاصل أن الايمان والإسلام كانا في زمان نزول الآية بمعنى واحد.
وفيه أنه لا معنى لثبوت الايمان في خارج القلب، وارجاع السلب في الآية إلى إرادة عدم دخوله من الظاهر في الباطن، وذلك لأن الايمان أمر قلبي لا معنى لثبوته في خارج كما هو المقصود منه لغة الذي عبارة عن التصديق، فليس المراد من الآية إلا معناه اللغوي من التصديق، فلا معنى للتصديق في خارج القلب، والتعبير بعدم الدخول ليس من جهة أن للايمان محلان، محل في خارج القلب ومحل في داخل القلب، بل من جهة أن محله ليس إلا القلب.
وذلك نظير قولك: لما يدخل الرحم في قلبه، فإنه جهة أن الرحم مورد القلب ليس إلا، لا أن هنا رحم في ظاهر القلب ورحم في باطن القلب، وهكذا السخاوة والشجاعة والشقاوة وغيرها من الصفات