شرعت لغاية حفظ النفس، فإذا لم تكن هذه الغاية موجودة، بل كان الشخص مقتولا لا محالة، اتقي أو لم يتق، فلا تقية، لانتفاء ما هو الغرض من تشريع التقية (1).
ومع الاغضاء عما ذكرناه، فإن ما أفاده إنما يلائم قوله (عليه السلام) في رواية محمد بن مسلم: إنما جعلت التقية ليحقن بها الدم، فإذا بلغ الدم فليس تقية، فإنه يمكن أن يتوهم منها أن الغاية من التقية هي حفظ الدم، وإذا كان لا بد للظالم من إراقة الدم فلا موضوع للتقية.
ولكن يبائنه قوله (عليه السلام) في رواية أبي حمزة الثمالي: إنما جعلت التقية ليحقن بها الدم، فإذا بلغت التقية الدم فلا تقية، فإن هذه الرواية ظاهرة بل صريحة في أن التقية إذا توقفت على إراقة الدم فلا تقية، فتكون هذه الرواية قرينة لبيان المراد من الرواية الأولى أيضا.
ثم إنه لا فرق بين أفراد المؤمنين من حيث الصغر والكبر، ولا من حيث الرجولة والأنوثة، ولا من حيث العلم والجهل، ولا من حيث الحرية والعبودية، لاطلاق قوله (عليه السلام): إنما جعلت التقية ليحقن بها الدم، فإذا بلغت التقية الدم فلا تقية.
وأما الاكراه، وقد تقدم معناه في الأمر الثاني، فهو لا يسوغ قتل النفس المحترمة بلا خلاف بين الفريقين، والوجه فيه هو ما تقدم، من أن الأدلة الدالة على نفي الاكراه والضرر والحرج واردة في مقام الامتنان، ومن الواضح أن الاضرار بالغير مناف للامتنان فلا يكون مشمولا لها، فتبقى الأدلة الدالة على حرمة قتل النفس المحترمة سليمة عن المزاحم.