والرأي لا يدل على أزيد من الاستحباب ورجحان العمل، فإن العقل من أعظم النعم الإلهية وقد من به سبحانه على عباده لهدايتهم، فصرفه إلى غير ما خلق لأجله يوجب الزوال وهو من النقمات الشديدة، كما أن صرفه إلى ما خلق لأجله يوجب المزية والاستكمال، ولا شبهة في رجحانه.
ومن هنا ظهر أن قوله (عليه السلام) في رواية عباية: وأنصح لمن استشارك (1)، ارشاد إلى ما ذكرناه، فيكون محمولا على الاستحباب، على أن الروايات المذكورة كلها مجهولة الرواة.
ويدل على عدم الوجوب أيضا ما أشرنا إليه سابقا من جواز ارجاع المستشير إلى غيره فإنه ينافي وجوب النصح.
4 - الروايات الآمرة بإعانة المؤمن وكشف كربته وقضاء حاجته (2)، ومن الواضح أن نصح المؤمن نوع منها فيكون واجبا.
وفيه: أن جميع ما ورد في حقوق الإخوان محمول على الجهات الأخلاقية، فيحمل على الاستحباب إلا ما ثبت وجوبه في الشريعة، كرد السلام ونحوه، ضرورة أنه لم يلتزم أحد فيها بالوجوب بل قامت الضرورة على عدم الوجوب، فتكون الضرورة قرينة على رفع اليد عن ظهورها في الوجوب.
وحاصل جميع ما قدمناه أنه لا دليل على وجوب النصح بعنوانه الأولى مطلقا، إلا إذا كان تركه موجبا لتلف النفس وهتك العرض وذهاب المال الخطير، فإنه يجب حينئذ لأهمية الأمور المذكورة.