وقد يتوهم أن الآية ليست لها تعرض لحكم الرشوة، فإن قوله تعالى:
وتدلوا بها إلى الحكام، ظاهر في أن المحرم هو الادلاء بأموال الناس إلى الحكام ليستعين بهؤلاء على أكل فريق آخر من أموال الناس بالإثم، ومن المعلوم أن الرشوة هي ما يعطيها الراشي من مال نفسه لابطال حق أو احقاق باطل.
وفيه أولا: أن الرشوة في العرف واللغة أعم من ذلك كما تقدم، فلا وجه للتخصيص بقسم خاص.
وثانيا: أنه لا ظهور في الآية المباركة في كون المدفوع إلى الحكام مال الغير بل هي أعم من ذلك، أو ظاهرة في كون المدفوع مال المعطي.
ومجمل القول: إن حرمة الرشوة في الجملة من ضروريات الدين ومما قام عليه اجماع المسلمين فلا حاجة إلى الاستدلال عليها.
ثم إن تفصيل الكلام في أحكام الرشوة، أن القاضي قد يأخذ الرشوة من شخص ليحكم له بالباطل مع العلم ببطلان الحكم، وقد يأخذها ليحكم للباذل مع جهله سواء طابق حكمه الواقع أم لم يطابق، وقد يأخذها ليحكم له بالحق مع العلم والهدى من الله تعالى.
أما الصورتان الأوليان، فلا شبهة في حرمتهما، فإن الحكم بالباطل والافتاء والقضاء مع الجهل بالمطابقة للواقع محرمان بضرورة الدين واجماع المسلمين، بل هما من الجرائم الموبقة والكبائر المهلكة، ويدل على حرمتهما أيضا العقل والكتاب (1) والسنة (2).