وثانيا: ما ذكره المصنف (رحمه الله) وملخص كلامه: أن الوجه في أولوية قبول ما تعطي وعدم مطالبتها بالزيادة إنما هو أحد أمرين على سبيل منع الخلو:
1 - إن ما يعطى للماشطة والحجام والختان والحلاق وأمثالهم لا ينقص غالبا عن أجرة مثل عملهم، إلا أنهم لكثرة حرصهم ودناءة طباعهم يتوقعون الزيادة خصوصا من أولي المروة والثروة، بل لو منعوا عما يطلبونه بادروا إلى السب وهتك العرض، ولذا أمروا في الشريعة المقدسة بالقناعة بما يعطون وترك المطالبة بالزائد عنه.
2 - إن المشارطة والمماكسة في مثل تلك الأمور لا تناسب المحترمين من ذوي المجد والفخامة، كما أن المسامحة فيها ربما توجب المطالبة بأضعاف أجرة المثل، فلذلك أمر الشارع أصحاب هذه الأعمال بترك المشارطة والرضا بما يعطى لهم.
وهذا كله لا ينافي جواز المطالبة بالزائد والامتناع عن قبول ما يعطى إذا اتفق كونه أقل من أجرة المثل، إذ لا يجوز الاعطاء أقل من ذلك لاحترام عملهم.
قوله: أو لأن الأولى في حق العامل قصد التبرع.
أقول: المرسلة إنما دلت على عدم المشارطة المستلزمة لعدم تحقق الإجارة المعتبر فيها تعيين الأجرة، وهذا لا يستلزم قصد التبرع، لجواز أن يكون ايجاد العمل بأمر الأمر، فيكون أمره هذا موجبا للضمان بأجرة المثل كما هو متعارف في السوق كثيرا.
قوله: فلا ينافي ذلك ما ورد.
أقول: إن تم ما ذكره المصنف من حمل المرسلة على أن الأولى بالعامل أن يقصد التبرع، كانت المرسلة خارجة عن حدود الإجارة