الصورتين المحسوسة والمتخيلة فرقا البتة ولولا أن تلك الصور موجودة لم يكن الامر كذلك ومحل هذه الصور يمتنع ان يكون شيئا جسمانيا أي من هذا العالم المادي فان جمله بدننا بالنسبة إلى الصور المتخيلة لنا قليل من كثير فكيف ينطبق الصور العظيمة على المقدار الصغير وليس يمكن ان يقال إن بعض تلك الصور منطبعة في أبداننا وبعضها في الهواء المحيط بنا إذ الهواء ليس من جمله أبداننا ولا أيضا آله لنفوسنا في أفعالها والا لتألمت نفوسنا بتفرقها وتقطعها ولكان شعورنا بتغيرات الهواء كشعورنا بتغيرات أبداننا فبان ان محل هذه الصور امر غير جسماني وذلك هو النفس الناطقة فثبت ان النفس الناطقة مجرده انتهى تقرير الحجة التي عول عليها أفلاطون وهي حجه برهانية قويه على ما نريده لكن القوم زعموا ان هذه الحجة لبيان اثبات ان النفس من المفارقات العقلية (1) وذلك غير ثابت بمثل هذه الحجة ونظائرها ولم أر في شئ من زبر الفلاسفة ما يدل على تحقيق هذا المطلب والقول بتجرد الخيال والفرق بين تجردها عن هذا العالم وبين تجرد العقل والمعقول عنها وعن هذا العالم جميعا وهذه من جمله ما آتاني الله وهداني ربى إليه أشكره كثيرا على هذه النعمة العظيمة ونحمده عليها ولذلك اعترض على هذا البرهان بوجهين.
أحدهما بان هذه الصور الخيالية لا بد وأن يكون لها امتداد في الجهات وزيادة والا لم تكن صوره خيالية فانا إذا تخيلنا مربعا فلا بد ان يتميز جانب من ذلك المربع من جانب آخر والا لم يكن مربعا وذلك أن يكون إذا كان شكل و