اتباع العقل:
يسأل يعقوب بن السكيت من الامام الرضا (ع) أسئلة حول معاجز الأنبياء، وبعد أن يجيبه عن تلك الأسئلة، يسأله عن الحجة القاطعة والدليل الساطع على نبوة النبي محمد (ص) قائلا: «فما الحجة على الخلق اليوم؟ فقال (ع): العقل» (1).
يشير الامام الرضا عليه السلام بكلامه هذا، إلى أن الأفراد يجب أن ينظروا في تعاليم القرآن بنظر العقل والدقة، ويوجهوا أفكارهم إلى حقيقة ساطعة هي: أن النبي (ص) قام في عالم مظلم ودور جاهلي أهوج، في الحجاز... حيث مظاهر البداوة والتفرقة والحزازات، حيث لا مدرسة ولا مكتبة، ولا حديث عن العلم والعالم، ولا أثر للمنطق والتفكير... قام في مثل ذلك الدور العصيب - وهو أمي لم يدرس عند أحد - فأخذ يدعو الناس إلى الايمان، بحماس وثبات شديدين ويهديهم إلى شاطئ الأمن والسعادة، وأخذ يقول في كل شيء كلمته بمنطق صحيح ودليل قاطع، ووضع القوانين لكل جانب من جوانب الحياة، وأخذ بيد تلك الأمة المتأخرة إلى حيث العزة والكمال والعظمة... ولا تزال تعاليمه الرصينة تهب الحياة للبشرية من دون أن تفقد قيمتها العلمية والاجتماعية... في مثل هذه الظروف وعلى مثل هذه الأوضاع يحكم العقل - بلا تردد - بأن البشر العادي - سواء في أمسه أو يومه - يستحيل عليه أن يقوم بعمل جبار كهذا ويترك هذه الآثار العظيمة في الجوانب المختلفة من الحياة. فليس ذلك النبوغ وتلك العظمة وهذه الرصانة في التعاليم إلا نتيجة الاتصال الوثيق بخالق الكون عن طريق الوحي والالهام.
«إن اتبع إلا ما يوحى إلي» (2).
وليس معنى الايمان بالنبي والنبوة إلا هذا الاعتقاد بالارتباط المعنوي بين النبي ( ص) والله تعالى وكونه سفيرا له على وجه الأرض، لهداية البشر إلى