أضف إلى ذلك أن أخبار الثقلين المتضافرة تدلنا على أن القرآن كان مجموعا على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) على ما سنشير إليه.
تعارض روايات الجمع مع الكتاب: إن هذه الروايات معارضة بالكتاب، فإن كثيرا من آيات الكتاب الكريمة دالة على أن سور القرآن كانت متميزة في الخارج بعضها عن بعض، وأن السور كانت منتشرة بين الناس، حتى المشركين وأهل الكتاب، فإن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد تحدى الكفار والمشركين على الإتيان بمثل القرآن، وبعشر سور من مثله مفتريات، وبسورة من مثله، ومعنى هذا أن سور القرآن كانت في متناول أيديهم.
وقد أطلق لفظ الكتاب على القرآن في كثير من الآيات، وفي قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) (إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي) وفي هذا دلالة صريحة على أنه كان مكتوبا مجموعا لأنه لا يصح إطلاق الكتاب عليه وهو في الصدور، بل ولا على ما كتب في اللخاف والعسب، والأكتاف، إلا على نحو المجاز والعناية، والمجاز لا يحمل اللفظ عليه من غير قرينة، فإن لفظ الكتاب ظاهر في ما كان له وجود واحد جمعي، ولا يطلق على المكتوب إذا كان مجزءا غير مجتمع، فضلا عما إذا لم يكتب وإنما كان محفوظا في الصدور فقط.
مخالفة أحاديث الجمع مع حكم العقل: إن هذه الروايات مخالفة لحكم العقل، فإن عظمة القرآن في نفسه، واهتمام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لحفظه وقراءته، واهتمام المسلمين بما يهتم به النبي (صلى الله عليه وآله)، وما يستوجب ذلك من الثواب، كل ذلك ينافي جمع القرآن على النحو المذكور في تلك الروايات، فإن في القرآن جهات عديدة كل واحدة منها تكفي لأن يكون القرآن موضعا لعناية المسلمين وسببا لاشتهاره حتى بين الأطفال والنساء منهم، فضلا عن الرجال، وهذه الجهات هي:
1 - بلاغة القرآن: فقد كانت العرب تهتم بحفظ الكلام البليغ، ولذلك فهم يحفظون أشعار الجاهلية وخطبها، فكيف بالقرآن الذي تحدى ببلاغته كل بليغ، وأخرس بفصاحته كل خطيب لسن، وقد كانت العرب بأجمعهم متوجهين إليه سواء في ذلك مؤمنهم وكافرهم، فالمؤمن يحفظه لإيمانه، والكافر يتحفظ به لأنه يتمنى معارضته وإبطال حجته.