الكتاب المقدس - مجمع الكنائس الشرقية - الصفحة ٧٩٦
الرجاء المسيحي لا يحيا على انتظار مجئ وشيك فحسب، بل على المشاركة في الحاضر لمعركة المسيح المظفرة أيضا.
ولذلك فإن موضوع الدنو الوشيك لنهاية الأزمنة، المألوف في الأدب الرؤيوي، لا يدخل كثيرا في التقدير الزمني للأوقات التي تتقدم النهاية، فإنه يعتمد قبل كل شئ على التيقن أن المرحلة الحاسمة من التدبير الإلهي قد ظهرت وافتتحت في حدث الفصح. إن الأزمنة الأخيرة وشيكة، لأنها بدأت في السر، والانتظار المسيحي ثابت فعال، بقدر ما يتناول خيرات قد منحت باكورتها منذ اليوم.
إن رؤيا يوحنا، إذ تفسح في المجال، على هذا النحو، لتأمل أحداث الخلاص وسبر غور حالة الكنيسة، تقترب من نظرات الوعظ النبوي الذي كان يبتغي بعثا روحيا بإحياء ذكرى عجائب العهد وتأمل دعوة إسرائيل. وهذا التنبه إلى سر " الملكوت الآتي " في حد ذاته، أكثر منه إلى موعد ظهوره المجيد، يبين من جهة أخرى لماذا لا تعتمد رؤيا يوحنا أساليب النسبة إلى الأسماء المنحولة وتقديم التواريخ التي كانت في الأدب الرؤيوي التقليدي ترمي على وجه خاص إلى إتاحة التقديرات في شأن دنو " يوم الرب ".
[كاتب الرؤيا وظروف إنشائها] لا يأتينا سفر رؤيا يوحنا بشئ من الايضاح عن كاتبه. لقد أطلق على نفسه اسم يوحنا ولقب نبي (1 / 1 و 4 و 9 و 22 / 8 - 9)، ولم يذكر قط أنه أحد الاثني عشر. هناك تقليد على شئ من الثبوت وقد عثر على بعض آثاره منذ القرن الثاني، وورد فيه أن كاتب الرؤيا هو الرسول يوحنا، وقد نسب أيضا إليه الإنجيل الرابع. بيد أنه ليس في التقليد القديم إجماع على هذا الموضوع. وقد بقي المصدر الرسولي لسفر الرؤيا عرضة للشك مدة طويلة في بعض الجماعات المسيحية. إن آراء المفسرين في عصرنا متشعبة كثيرا، ففيهم من يؤكد أن الاختلاف في الانشاء والبيئة والتفكير اللاهوتي يجعل نسبة سفر الرؤيا والإنجيل الرابع إلى كاتب واحد أمرا عسيرا. ويخالفهم مفسرون آخرون في الرأي، فينبهون إلى ما في كلا المؤلفين من الشبه في الموضوعات والتعليم والخلقية السامية، ويرون أن سفر الرؤيا والإنجيل يرتبطان بتعليم الرسول عن يد كتبة ينتمون إلى بيئات يوحنا في أفسس.
سفر الرؤيا موجه إلى " كنائس آسية السبع " (1 / 3 و 11 و 2 - 3) والحقيقة أنه يراد بها سبع جماعات مسيحية تقيم في إقليم آسية، وكانت عاصمته أفسس. ولما كان الرقم 7 يوحي الكمال، يسوغ الاعتقاد بأن الكاتب قصد، لا بعض الجماعات الخاصة التي يعرفها معرفة من كثب فحسب، بل الكنيسة برمتها.
أما ظروف الإنشاء، ففي المؤلف إشارتان أكيدتان، ولكنهما لا تمكنان من تحديد تاريخ دقيق.
فإن الكنيسة من جهة قد اختبرت الاضطهاد، ويبدو أنها تجابه مقاومة رسمية من الإمبراطورية الرومانية، وأن مجئ المسيح الثاني من جهة أخرى أبطأ، فبعث تأخر مواعد الانتظار عند بعض المسيحيين التورط في أمور الدنيا أو الفتور، وعند غيرهم القنوط أو الارتياب أو فروغ الصبر. فإذا راعينا هذه الأمور، أمكننا عرض افتراضين مفصلين: الحقبة التاريخية التي عقبت اضطهاد نيرون،
(٧٩٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 790 791 793 794 795 796 797 798 799 800 801 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة