الكتاب المقدس - مجمع الكنائس الشرقية - الصفحة ٤٦٦
عليكم النعمة والسلام من لدن الله أبينا والرب يسوع المسيح.
[بولس ومسيحيو رومة] 8 أبدأ بشكر إلهي بيسوع المسيح في أمركم أجمعين، لأن إيمانكم يعلن في العالم كله.
9 فالله الذي اعبد (12) في روحي (13)، مبشرا بابنه، يشهد لي أني لا أنفك أذكركم 10 وأسأل دائما في صلواتي أن يتيسر لي يوما ما الذهاب إليكم، إن شاء الله. 11 فإني مشتاق إلى رؤيتكم

(١٢) راجع روم ١٥ / ١٦ +.
(١٣) " روح " يستعمل بولس هذه الكلمة بأربعة معان رئيسية: روح الله أو الروح القدس (أكثر من عشرين نصا في روم)، وروح الإنسان (نحو عشرين نصا في مجمل رسائل بولس، منها هذه الآية)، وروح العالم أو روح الشر على وجوه مختلفة (روم ١١ / ٨ و ١ قور ٢ / ١٢ واف ٢ / ٢ و ٢ طيم ١ / ٧)، ونفس الرب المبيد (٢ تس ٢ / ٨، عن اش ١١ / ٤). نقتصر هنا على عرض وجيز لفكر بولس في هذا الأمر:
يتعذر أحيانا علينا أن نعرف هل هذه النصوص أو تلك تعود إلى الفئة الأولى أو الثانية، بحسب بعض المفسرين في روم ١٢ / ١١ على سبيل المثال، لا بل في روم ٨ / ٤ (الطاعة للجسد أو للروح)، أو في روم ٨ / ٥ (الذين يسلكون سبيل الجسد والذين يسلكون سبيل الروح: راجع أيضا ٢ قور ٦ / ٦ واف ٤ / ٣ الخ). وتظهر حيرة المترجمين في جعل كلمة " روح " اسم علم أو جعلها اسم جنس. وهذه الصعوبة تظهر صعوبة أخرى أشد: فما هي الصلة، في نظر بولس، بين روح الله (= الآتي من الله) وروح الإنسان (= الذي هو خاصة كل خليقة بشرية (روم ١ / ٩ و ٨ / ١٦ و ١ قور ٢ / ١١ و ٥ / ٣ - ٤ وغل ٦ / ١٨ وفل ٤ / ٢٣ و ١ تس ٥ / ٢٣ وف ٢٥، الخ)؟ يشدد بعض المفسرين على التوافق العميق بين روح الله وروح الإنسان الذي يحدثه الله ويوجهه، ويشير بعضهم الآخر بالأحرى إلى اهتمام بولس بالتمييز بين هذين الروحين (كذا في روم ٨ / ١٦)، والرسول، كما كان الأمر في العهد القديم، لا يشدد على القرابة الجوهرية القائمة بين روح الله وروح الإنسان بقدر ما يشدد على سيادة الأول على الثاني. هذا وأن روح الله لا يستولي على روح الإنسان (روم ٨ / ١٦) أو عقله فقط (روم ٥ / ٥)، بل على كيانه كله.
الروح " يسكن " في المسيحيين (روم ٨ / ٩) لا بل في أجسادهم (١ قور ٦ / ١٩) كما يسكن في الكنيسة (١ قور ٣ / ١٦). إن فعل " سكن " وغيره من الأفعال، ويعود أصله إلى العهد القديم، يصف حضور الروح بأنه حقيقي (لا يبقى الروح خارجا عما يسكن فيه)، ولكنه يبقى مختلفا عنه (فالروح لا يصبح هو والذي يسكن فيه واحدا). يصح هذا في الجسد البشري وفي الكنيسة التي هي جسد المسيح.
يقول بولس إن " أعمال " روح الله (أو روح المسيح: روم ٨ / ٩ وفل ١ / ١٩ وغل ٤ / ٦ الخ) لا حد لها. في العهد القديم وفي الأناجيل، يظهر الروح في أغلب الأحيان في المعجزات أو الخوارق، في حين أنه، في الرسالة إلى الرومانيين، يعمل في حياة الكنيسة والمؤمنين العادية من أولها إلى آخرها. سبق للروح إن كان حاضرا في قيامة يسوع (روم ١ / ٤)، وسيكون حاضرا في القيامة الأخيرة (روم ٨ / ١١)، مضفيا طابعه على تدبير العهد الجديد بالنظر إلى العهد القديم (غل ٣ / ٣ و ٤ / ٢٩ وحز ٣٦ / ٢٧)، ومولدا الإيمان ومحققا إياه (١ تس ١ / ٥ و ٤ / ٨ وغل ٣ / ٢ و ١ قور ١٢ / ٣)، ومنعشا الصلاة البنوية (غل ٤ / ٦ وروم ٨ / ١٥ - ١٦ واف ٦ / ١٨)، والحياة الجديدة في الفرح (١ تس ١ / ٦ وروم ١٤ / ١٧) والمحبة (غل ٥ / ١٦ - ٢٥) من أجل التقديس (٢ تس ٢ / ١٣). وفي الكنيسة كذلك، يعبر عن " ظهور الروح الواحد " في تنوع المواهب ووحدتها (١ قور ١٢)، إذ ليس هناك إلا جسد واحد وروح واحد (أف ٤ / ٤). وكما أن الخدمات الأساسية الثلاث عند بولس (الرسل والأنبياء والمعلمون) هي " هبة " من الروح أيضا، يجوز القول بأن بنية الكنيسة وأعمالها حتى الثانوية منها (التكلم بلغات والتنبؤ وموهبة الشفاء الخ) هي أيضا من هبات الروح.
كثيرا ما اضطر بولس إلى التدخل لإعادة الوحدة الروحية (فل ٢ / ١ - ٢ و ١ قور ٣ / ١ - ٤) والنظام في الكنائس. ولقد قام بهذا الدور مذكرا بأن الحياة الروحية تفقد أصالتها إذا انفصلت عن سيرة يسوع المسيح. فمن ناحية أولى، ذكر بولس أهل قورنتس خاصة بأنه إذا صح أن الروح قد غمرهم بمواهبه، فإنه قد وهب " أولا " للرسل ليعرفوا ويعرفوا النعم التي أعطيت للناس في يسوع المسيح (١ قور ٢ / ١٠ - ١٦)، الأمر الذي وضح العلاقة القائمة بين الروح وعمل المسيح التاريخي والخدمة الكنسية. ومن ناحية ثانية، وفي الرسالة إلى أهل رومة، يبين الرسول أن روح الحرية والتبني والصلاة هو " عربون " (روم 8 / 23) العالم الجديد، وأن المسيحيين الذين أشركهم في حياة المسيح القائم من الموت (روم 8 / 11) يستطيعون، بل يجب عليهم، أن يقطعوا كل صلة بالعبوديات الشرعية والجسدية، الأمر الذي يوضح العلاقة القائمة بين الروح وسلوك المؤمنين في الوقت الحاضر وتمجيدهم الأخير.
(٤٦٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 461 462 463 464 465 466 467 468 469 470 471 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة