الكتاب المقدس - مجمع الكنائس الشرقية - الصفحة ٢٧
وتفاصيلها. أنهم يعرضون تقليدا قد أصبح تفسيرا. فمن النظر الدقيق في النصوص تبدو بعض الأقوال أو بعض الروايات مراجع متينة إلى تاريخ رسالة يسوع، وهناك طرق كثيرة في متناول علماء التاريخ يحاولون بها إثبات تلك المراجع.
وهنا أمران لا بد من توضيحهما:
- فمع أن مضمون الأناجيل لا يمكن أن يحقق كله تحقيقا تاريخيا، فمن المؤكد أن هناك أدلة كثيرة، تلقي هي أيضا ضوءا على سائر النصوص، تمكننا من أن نعرف خلال التقليد أن الإيمان بالمسيح الذي قام من بين الأموات إنما هو متأصل في حياة يسوع الناصري وأعماله.
- لا نصل إلى أقوال وأعمال يسوع إلا من خلال " الترجمات " التي تأتينا بها التقاليد القديمة ومؤلفات الإنجيليين. فالتعبير باليونانية عما كان أصله في الآرامية ليس أبرز مظهر من مظاهر النقل هذا.
فلا شك أنه من الممكن أن نحاول استعادة ما قاله يسوع في لغة مولده، كما أنه من الممكن أن نحاول استعادة الظروف الدقيقة التي ضرب فيها هذا المثل أو أجرى فيها ذلك الشفاء. غير أن هذه المحاولات تتأثر عند التفصيل بكثير أو بقليل من الرجوح. وهذه الحدود المفروضة على التحقيق التاريخي تنتج عن طبيعة الأناجيل. فالإيمان بالمسيح الحي كان ينير الذكريات عن يسوع ولم يكن من الممكن أن يعبر عنه إلا بالشهادة الحية بما تتضمنه من روايات جزئية وتكرار وتكييف وتدخل الشاهد أو الراوي.
فبحث الناقد في الأناجيل يمكن من تخطي القراءة الساذجة والدخول في نظرة العهد الجديد بعينها. ومهما ابتعدنا في الرجوع إلى الماضي في أثناء التحقيق، فلا يزال السؤال مطروحا: من هو يسوع؟ فالقارئ الذي يرضى بأن يطالع الأناجيل وهو ينظر إليه هذه النظرة، ولا سيما إذا قام بالبحث المقارن للنصوص، لا يكون حائرا مترددا، بل يجد دائما أكثر مما كان يتوقع قبل ذلك، لأن كلا من الإنجيليين، بفضل عناصر جوابه الكثيرة وطريقة فهمه لما أتاه من التقليد، يوفر للقارئ سبل التثبت من معرفته ليسوع وإغنائها، وذلك بإشراكه في الحركة التي لا تزال تنتقل من ماضي يسوع إلى إيمان الجماعة المسيحية الحاضر ومن يقين الشهود إلى ذلك الذي هو مصدره.
[الأناجيل وعلاقة بعضها ببعض] وصلنا الإنجيل في صيغة أربعة كتب. وكل واحد منا يرى منذ أول مطالعة لها أن الإنجيل الرابع له ميزات خاصة ينفرد بها، مع أنه لا يخلو من الروابط بالأناجيل الثلاثة الأولى (راجع المدخل إلى إنجيل يوحنا). هذه الأناجيل الثلاثة هي شهادات وضعت قبل إنجيل يوحنا. ويمكن تأريخ إنجيل مرقس في السنين 65 - 70 وهو على الأرجح من أصل روماني. وأما إنجيل متى وإنجيل لوقا فلا تنعكس فيهما البيئات نفسها لأنهما وجها إلى بيئات أخرى، وقد وضعا بعد إنجيل مرقس بخمس عشرة إلى عشرين سنة. ومع ذلك فالأناجيل الثلاثة تبدو في صيغ كثيرة التشابه حتى قيل لها " إزائية "، أي أنه يمكن وضع نصوصها في ثلاثة أعمدة متوازية تساعد على المقارنة بينها. وهذا الأمر يثير مشكلة خاصة.
(٢٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 20 21 23 25 26 27 28 29 31 32 33 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة