إتحاف أهل الزمان - عمر غامسوري - الصفحة ١١
وهو أن المنكر الذي اقتضى نظرك تغييره، ليس متفقا عليه عند أهل البصيرة، وأنه من مدارك الاجتهاد، وقد سقط عنك القيام فيه والانتقاد. ثم بعد الوصول إلى هذا المقام، أعد نظرا في إيقاد نار الحرب بين أهل الإسلام، واستباحة المسجد الحرام، وإخافة أهل الحرمين الشريفين، والاستهوان لإصابة لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، فسيتضح لك أنك غيرت المنكر في زعمك، وبحسب اعتقادك وفهمك، وأتيت بجمل كثيرة من المناكر، وطائفة عديدة من الكبائر، آذيت بها نفسك والمسلمين، وابتغيت بها غير سبيل المؤمنين، وتعرضت بها لاذاية الأولياء والصالحين، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام، في حديث رواه البخاري والإمام، قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" إن الله عز وجل قال من عادى لي وليا فقد آذنني بحرب "، فكفى بالتعرض لحرب الله خطرا، وقذفا في العطب وضررا.
وأما إنكار زيارة القبور، فأي حرج فيها أو محظور، وأي ذميمة تطرقها أو تعروها، مع ثبوت حديث " كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها "، فإن هذا الحديث ناسخ لما ورد من النهي عن زيارتها، وماح لما في أول الإسلام من حماية الأمة من أسباب ضلالتها، لقرب عهدها بجاهليتها، وعبادة أصنامها وآلهتها. وكيف تمنع من زيارتها، والنبي صلى الله عليه وسلم قد شرعها، وسام رياضها وأربعها، فقد ثبت في حديث عائشة أم المؤمنين، أنه صلى الله عليه وسلم زار بقيع الغرقد واستغفر فيه لموتى المسلمين، وثبت أيضا أنه زار قبر أمه آمنة بنت وهب واستغفر لها.
وأخذ بذلك الصحابة والتابعون، ودرج عليه العلماء والسلف الماضون، فقد ثبت في الأحاديث المروية عن أئمة الهدى، ونجوم الاقتداء، أن فاطمة سيدة نساء العالمين زارت عمها سيد الشهداء، وذهبت من المدينة إلى جبل أحد، ولم ينكر من الصحابة أحد، وهم إذ ذاك بالمدينة متآمرون، وعلى إقامة الدين متناصرون. أفتجعل هؤلاء أيضا مبتدعين، وأنهم سكتوا عن الابتداع في الدين؟ كلا والله، بل يجب علينا اتباعهم، ومن أدلة الشريعة إجماعهم.
وقد مضت على ذلك العلماء في جميع الأقطار، وانتدبوا بأنفسهم للاستمداد من قبور الصلحاء، وقضاء الأوطار، وخلدوا ذلك في كتبهم ومؤلفاتهم، وسطروه في
(١١)
الذهاب إلى صفحة: «« « 1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 » »»