كشف النور - عبد الغني بن اسماعيل النابلسي - الصفحة ٥
الغفلة والحجاب عن المتولي في الحقيقة لجميع الأمور وهو الله تعالى لأنه تعالى متولي أمر المؤمن والكافر والغافل والمستيقظ، ولكن قال تعالى: (قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولو الألباب). أي إنما يعلم ذلك، وهو عدم الفرق بينهما أصحاب البصائر.
ومما يدل على ثبوت الكرامة بعد الموت من أقوال الفقهاء قولهم بكراهة الوطئ على القبور. قال في مختصر محيط السرخسي للإمام الخبازي:
وكره أبو حنيفة رحمه الله تعالى أن يطأ على قبر أو يجلس أو ينام عليه أو يبول أو يتغوط لما فيه من الإهانة. وفي جامع الفتاوى لقارئي الهداية: وسئل بعض الفضلاء عن وطئ القبور فقال: يكره. قيل: هل يكره على أنه تارك للأولى. فقال: لا بل يأثم لأنه عليه السلام قال: لأن أضع قدمي على جمر أحب إلي من وطئ القبر. قيل: التابوت والتراب الذي فوقه بمنزلة السقف.
فقال: وإن كان له بمنزلة السقف لكن حق الميت باق فلا يجوز. أن يوطأ.
وسئل الخجندي عن رجل لو كان قبر والديه بين القبور هل يجوز له أن يمر بين قبور المسلمين بالدعاء والتسبيح وقراءة القرآن ويزور قبرهما؟ فقال: له ذلك إن أمكنه من غير وطئ القبور انتهى. وفي فتح القدير: ويكره الجلوس على القبر ووطئه. وحينئذ فما يصنعه الناس ممن دفنت أقاربه ثم دفنت حواليهم خلق، من وطئ تلك القبور إلى أن يصل إلى قبر أبيه مكروه ويكره النوم عند القبر وقضاء الحاجة بل أولى وكل ما لم يعهد من السنة، والمعهود منها ليس إلا زيارتها والدعاء عندها قائما كما كان يفعل صلى الله عليه وسلم في الخروج إلى البقيع ويقول: " السلام عليك م دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون أسأل الله لي ولكم العافية ".
انتهى كلامه. وحيث صح هذا وثبت في كتب الفقه فنقول: لم يكره الوطئ على القبر والجلوس عليه إلا لكرامة الموتى بعد موتهم. وهذه الكرامة ثابتة في الشرع. وهي أمر خارق للعادة في الخلق، فإن العادة جارية أن الإنسان يباح له أن يمشي على الأرض وأن يجلس عليها وأن يطئ برجله أبعاض الحيوانات كلها إلا موتى أهل الإيمان، فقد خولفت العادة في حقهم فكره ذلك كله كراهة تحريم،
(٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « 1 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 ... » »»