علماء المسلمين والوهابيون - عبد الوهاب الشعراني المصري - الصفحة ١٥
* (فصل) * إعلم يا أخي أني ما وضعت هذه الميزان للإخوان من طلبة العلم إلا بعد تكرر سؤالهم لي في ذلك مرارا كما مر أول الفصول وقولهم لي مرادنا الوصول إلى مقام مطابقة القلب للسان في صحة اعتقاد أن سائر أئمة المسلمين على هدى من ربهم في سائر أقوالهم فلذلك أمعنت النظر لهم في سائر أدلة الشريعة وأقوال علمائها فرأيتها لا تخرج عن مرتبتين تخفيف وتشديد فالتشديد للأقوياء والتخفيف للضعفاء كما مر لكن ينبغي استثناء ما ورد من الأحكام بحكم التخيير فإن للقوي أن ينزل إلى مرتبة الرخصة والتخفيف مع القدرة على فعل الأشد ولا تكون المرتبتان المذكورتان في الميزان فيه على الترتيب الوجوبي وذلك كتخيير المتوضئ إذا كان لابس الخف بين نزعه وغسل الرجلين وبين مسحه بلا نزع مع أن إحدى المرتبتين أفضل من الأخرى كما ترى فإن غسل الرجلين أفضل إلا لمن نفرت نفسه من المسح مع علمه بصحة الأحاديث فيه فإن المسح له أفضل على أنه لقائل أن يقول إن المرتبتين في حق هذا الشخص أيضا على الترتيب الوجوبي بمعنى أنه لو أراد أن يعبد الله تعالى بالأفضل كان الواجب عليه في الإتيان بالأفضل ارتكاب العزيمة وهو إما الغسل بالنظر إلى حال غالب الناس وإما المسح بالنظر إلى ذلك الفرد النادر الذي نفرت نفسه من فعل السنة لا سيما وقولنا أفضل غير مناف للوجوب كما تقول لمن تنصحه عليك يا أخي برضى الله تعالى فإنه أولى لك من سخطه وكذلك ينبغي أن يستثنى من وجوب الترتيب في مرتبتي الميزان ما إذا ثبت عن الشارع فعل أمرين معا في وقتين من غير ثبوت نسخ لأحدهما كمسح جميع الرأس في وقت ومسح بعضه في وقت آخر وكموالاة الوضوء تارة وعدم الموالاة فيه تارة أخرى ونحو ذلك فمثل هذا لا يجب فيه تقديم مسح جميع الرأس والموالاة على مسح بعضه وعدم المولاة إلا إذا أراد المكلف التقرب إلى الله تعالى بالأولى فقط وقس على ذلك نظائره وأما قول سيدنا ومولانا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن آخر الأمرين من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الناسخ المحكم فهو أكثري لا كلي إذ لو كان ذلك كليا لحكمنا بنسخ المتقدم من الأمرين بيقين في نفس الأمر من مسح كل الرأس أو بعضه مثلا لأنه لا بد أن يكون انتهى الأمر منه صلى الله عليه وسلم إلى مسح الكل أو البعض فيكون ما قبل الأخير منسوخا ولا يخفى ما في ذلك من القدح في مذهب من يقول بوجوب تعميم مسح الرأس أو عدم تعميمه وكان الإمام محمد بن المنذر رحمه الله يقول إذا ثبت عن الشارع صلى الله عليه وسلم فعل أمرين في وقتين فهما على التخيير ما لم يثبت النسخ فيعمل المكلف بهذا الأمر تارة وبهذا الأمر تارة أخرى انتهى وعلى ما قررناه من مرتبتي الميزان ينبغي حمل القول بمسح الرأس كله وجوبا على زمن الصيف مثلا ومسح بعضه على مسحه في زمن البرد مثلا لا سيما في حق من كان أقرع أو كان قريب العهد بحلق رأسه أو يخاف من نزول الحوادر من رأسه فاعلم ذلك يا أخي وقس عليه نظائره والحمد لله رب العالمين * (فصل) * إعلم يا أخي أن مرادنا بالعزيمة والرخصة المذكورتين في هذه الميزان هما مطلق التشديد والتخفيف وليس مرادنا العزيمة والرخصة اللتين حدهما الأصوليون
(١٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 ... » »»