علماء المسلمين والوهابيون - عبد الوهاب الشعراني المصري - الصفحة ١٤
في طريق الجمع بين قول العبد بلسانه إن سائر أئمة المسلمين على هدى من ربهم وبين اعتقاده ذلك بقلبه فإن قدرت يا أخي على طريق أخرى تجمع بين القلب واللسان فاذكرها لنا لنرقمها في هذه الميزان ونجعلها طريقة أخرى ولعل الطاعن في صحة هذه الميزان التي ذكرناها إنما كان الحامل له على ذلك الحسد والتعصب فإنه لا يقدر يجعل الشريعة على أكثر من مرتبتين تخفيف وتشديد أبدا ومن شك في قولي هذا فليأت بما يناقضه وأنا أرجع إلى قوله فإني والله ناصح للأمة ما أنا متعنت ولا مظهر علما لحظ نفس فيما أعلم بقطع النظر عن إرشادي للإخوان إلى صحة الاعتقاد في كلام أئمتهم ولولا محبتي لإرشاد الإخوان إلى ما ذكر لأخفيت عنهم علم هذه الميزان الشريفة كما أخفيت عنهم من العلوم اللدنية ما لم نؤمر بإفشائه كما أشرنا إليه في كتابنا المسمى بالجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والعلوم فإننا ذكرنا فيه من علوم القرآن العظيم نحو ثلاثة آلاف علم لا مرقى لأحد من طلبة العلم الآن فيما نعلم إلى التسلق إلى معرفة علم واحد منها بفكر ولا إمعان نظر في كتب وإنما طريقها الكشف الصحيح فتخلع هذه العلوم على العارف حال تلاوته للقرآن لا يتخلف عن النطق به حتى كان عين ذلك العلم عين النطق بتلك الكلمة ومتى تخلف العلم عن النطق فليس هو من علوم أهل الله وإنما هو ينتجه فكر وعلوم الأفكار مدخولة عند أهل الله لا يعتمدون عليها لإمكان رجوع أهلها عنها بخلاف علوم أهل الكشف كما مر آنفا فاعلم ذلك * (فصل) * وإياك أن تسمع بهذه الميزان فتبادر إلى الانكار على صاحبها وتقول كيف يصح لفلان الجمع بين جميع المذاهب وجعلها كأنها مذهب واحد من غير أن تنظر فيها أو تجتمع بصاحبها فإن ذلك جهل منك وتهور في الدين بل اجتمع بصاحبها وناظره فإن قطعك بالحجة وجب عليك الرجوع إلى قوله ولو لم يسبقه أحد إلى مثله وإياك أن تقول إن واضع هذه الميزان جاهل بالشريعة فتقع في الكذب فإنه إذا كان مثله يسمى جاهلا مع قدرته على توجيه أحكام جميع أقوال المذاهب فما بقي على وجه الأرض الآن عالم وقد قال الإمام محمد بن مالك وإذا كانت العلوم منحا إلهية واختصاصات لدنية فلا بدع أن يدخر الله تعالى لبعض المتأخرين ما لم يطلع عليه أحد من المتقدمين انتهى فبالله عليك يا أخي ارجع إلى الحق وطابق في الاعتقاد بين اللسان والقلب ولا يصدنك عن ذلك كون أحد من العلماء السابقين لم يدون مثل هذه الميزان فإن جود الحق تعالى لم يزل فياضا على قلوب العلماء في كل عصر واخرج عن علومك الطبيعية الفهمية إلى العلوم الحقيقية الكشفية ولو لم يألفها طبعك فإن من علامة العلوم اللدنية أن تمجها العقول من حيث إنكارها ولا تقبلها إلا بالتسليم فقط لغرابة طريقها فإن طريق الكشف مباينة لطريق الفكر وسيأتي في الفصول الآتية إن شاء الله تعالى إن من علامة عدم صحة اعتقاد الطالب في أن سائر أئمة المسلمين على هدى من ربهم كونه يحصل له في باطنه ضيق وحرج إذا قلد غير إمامه في واقعة ويقال له أين قولك إن غير إمامك على هدى من ربه وكيف يحصل في قلبك ضيق وحرج من الهدى فهناك تندحض دعواه وتظهر له عدم صحة عقيدته إن كان عاقلا والحمد لله رب العالمين
(١٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 ... » »»