شرح العقيدة الطحاوية - ابن أبي العز الحنفي - الصفحة ٥٧٩
بإسناده الثابت عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تقول ترك الناس العمل بهذه الآية يعني قوله تعالى * (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله) * فإن المسلمين لما اقتتلوا كان الواجب الإصلاح بينهم كما أمر الله تعالى فلما لم يعمل بذلك صارت فتنة وجاهلية وهكذا تسلسل النزاع والأمور التي تتنازع فيها الأمة في الأصول والفروع إذا لم رد إلى الله والرسول لم يتبين فيها الحق بل يصير فيها المتنازعون على غير بينة من امرهم فإن رحمهم الله أقر بعضهم بعضا ولم يبغ بعضهم على بعض كما كان الصحابة في خلافة عمر وعثمان يتنازعون في بعض مسائل الاجتهاد فيقر بعضهم بعضا ولا يعتدي ولا يعتدى عليه وإن لم يرحموا وقع بينهم الاختلاف المذموم فبغى بعضهم على بعض إما بالقول مثل تكفيره وتفسيقه وإما بالفعل مثل حبسه وضربه وقتله والذين امتحنوا الناس بخلق القرآن كانوا من هؤلاء ابتدعوا بدعه وكفروا من خالفهم فيها واستحلوا منع حقه وعقوبته فالناس إذا خفي عليهم بعض ما بعث الله به الرسول إما عادلون وإما ظالمون فالعادل فيهم الذي يعمل بما وصل اليه من آثار الأنبياء ولا يظلم غيره والظالم الذي يعتدي على غيره وأكثرهم إنما يظلمون مع علمهم بأنهم يظلمون كما قال تعالى * (وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم) * وإلا فلو سلكوا ما علموه من العدل أقر بعضهم بعضا كالمقلدين لأئمة العلم الذين يعرفون من أنفسهم أنهم عاجزون عن معرفة حكم الله ورسوله في تلك المسائل فجعلوا أئمتهم نوابا عن الرسول وقالوا
(٥٧٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 574 575 576 577 578 579 581 582 583 584 585 ... » »»