مقدمة في أصول الدين - الشيخ وحيد الخراساني - الصفحة ٢٤
إنما هذه نماذج من أبسط آثار العلم والحكمة، غير المحتاجة إلى دقة النظر {وفي أنفسكم أفلا تبصرون} (1)، فكيف إذا وصلنا إلى أعماق أسرار الخلقة، التي تحتاج إلى تخصص في علم وظائف الأعضاء وتشريحها، واستعمال الأجهزة الدقيقة والتفكير العميق {أو لم يتفكروا في أنفسهم} (2).
أجل، إن هذا الموجود الذي لم يكتشف العلماء إلى الآن الأسرار الكامنة في خلقة جلده وقشره الظاهر على بدنه، رغم جهودهم الكبيرة لمعرفتها، فماذا عن عجائب لبه وباطنه، من قوة شهوته لجلب ما يلائمه، وقوة غضبه لحفظ الملائم ودفع المنافر، إلى طاقة عقله التي تقوم بالمعادلة بين القوتين عمليا وتهدي الحواس نظريا {و إن تعدوا نعمة الله لا تحصوها} (3).
أي قلم علم وقدرة كتبت هذا الكتاب الملئ بالحكمة على قطرة ماء؟!
{فلينظر الانسان مم خلق * خلق من ماء دافق} (4)، {يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق في ظلمت ثلث} (5).
وأي علم وقدرة وحكمة خلفت من ذرة سابحة في ماء مهين بشرا سويا يتطلع بشعلة عقله وإدراكه إلى فهم أعماق الآفاق والأنفس {إقرأ وربك الأكرم * الذي علم بالقلم * علم الإنسان ما لم يعلم} (6)، ويتخذ الأرض والسماء ميدانا

(٢٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 ... » »»