مفاهيم القرآن (العدل والإمامة) - الشيخ جعفر السبحاني - ج ١٠ - الصفحة ١٩
بيان ذلك أن لكل شئ وضعا خاصا يقتضيه إما بحكم العقل، أو بحكم الشرع والمصالح الكلية في نظام الكون، فالعدل هو رعاية ذلك الوضع وعدم الانحراف إلى جانب الإفراط والتفريط.
نعم موضع كل شئ بحسبه، ففي التكوين بوجه، وفي المجتمع البشري بوجه آخر، وهكذا. وبلحاظ اختلاف موارده تحصل له أقسام ليس هنا مقام بيانها، إلا أن العدل بالنسبة إلى الله تعالى على أنحاء ثلاثة:
1 - العدل التكويني: وهو إعطاؤه تعالى كل موجود ما يستحقه ويليق به من الوجود فلا يهمل قابلية، ولا يعطل استعدادا في مجال الإفاضة والإيجاد.
2 - العدل التشريعي: وهو أنه تعالى لا يهمل تكليفا فيه كمال الإنسان وسعادته، وبه قوام حياته المادية والمعنوية الدنيوية، والأخروية، كما أنه لا يكلف نفسا فوق طاقتها.
3 - العدل الجزائي: وهو أنه تعالى لا يساوي بين المصلح والمفسد، والمؤمن والمشرك، في مقام الجزاء والعقوبة، بل يجزي كل إنسان بما كسب، فيجزي المحسن بالإحسان والثواب، والمسئ بالإساءة والعقاب، كما أنه تعالى لا يعاقب عبدا على مخالفة التكاليف إلا بعد البيان والإبلاغ.
وبذلك تبين معنى الآية، وشهادته سبحانه على كونه قائما بالقسط في جميع الأنحاء.
وأما شهادة الملائكة وأولي العلم وذلك فبتعليم منه سبحانه.
وأما سائر الآيات التي أوردناها في صدر الفصل، فهي غنية عن التفسير، لأنها بصدد بيان أن العذاب في الدنيا والآخرة رهن عمل الإنسان، فلو عذب فإنما
(١٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 ... » »»