مفاهيم القرآن (العدل والإمامة) - الشيخ جعفر السبحاني - ج ١٠ - الصفحة ١٦
وما أخبر بقبحه فهو قبيح، ولكنهم غفلوا عن أنهم بإنكارهم قابلية العقل لإدراك الحسن والقبح، أثبتوا عدم ثبوت الحسن والقبح مطلقا حتى مع تصريح الشرع، وذلك لأنه إذا كان تمييز الحسن عن القبيح بيد الشرع دون العقل فإذا أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بحسن شئ وقبحه، فمن أين نعلم أنه يصدق في أخباره ولا يكذب، والمفروض أن العقل عاجز عن درك حسن الأول وقبح الثاني؟ فلا يصح إثبات حسن شئ أو قبحه من خلال تصريح الشارع، إلا أن يثبت قبلا أن الصدق حسن والكذب قبيح، ويثبت أنه سبحانه نزيه عن فعل القبيح، ولولا هذان الأمران لذهب الإخبار بحسن الشئ أو قبحه سدى.
* الثالث: لولا التحسين العقلي لما ثبتت شريعة لو لم نقل بالتحسين والتقبيح العقليين يلزم عدم ثبوت شريعة من الشرائع السماوية، حتى تثبت بها شريعة تحكم بحسن شئ أو قبحه، وذلك لأن القائل بالتحسين والتقبيح العقليين، يقول: إن حكمته سبحانه تصده عن تزويد الكاذب بالمعجزة، فلو ادعى رجل النبوة من الله وأتى بمعجزة عجز الناس عن مباراته، فهي دليل على صدقه في دعوته.
وأما إذا أنكرنا قدرة العقل واستطاعته على درك الحسن والقبح، لكان باب احتمال تزويد الكاذب بالمعجزة مفتوحا على مصراعيه، وليس هنا دليل يرد هذا الاحتمال فلا يحصل يقين بصدق دعواه.
وهذه الأدلة الثلاثة التي سردناها على وجه الإيجاز، تشرف القارئ على القطع بأن العقل له المقدرة على درك الحسن والقبح. هذا كله حول الدعوى الأولى.
(١٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 9 11 13 14 15 16 17 18 19 20 21 ... » »»