مجلة تراثنا - مؤسسة آل البيت - ج ٥٥ - الصفحة ٧٩
ليستشيرهم في صحة المنقولات عموما وفي ما سمعه عمن ائتمنه ووثق به خصوصا (1)، لا أن يبيد مدونته وأن يأمر بمنع التحديث عموما.
فجملة: " لا تحدثوا شيئا " تفيد النهي الشامل عن كل الأحاديث، ولا تختص بالنهي عن تناقل أحاديث الإمامة والخلافة فقط، لأن مجئ النكرة " شيئا " بعد النهي " لا تحدثوا " يفيد العموم، ومعناه أن الخليفة لا يرتضي التحديث بشئ سوى القرآن.
فلو كان الخليفة يريد التثبت حقا لقال: " تثبتوا في نقلكم عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لكثرة الكذبة عليه "، أو: " لا تحدثوا بكل شئ سمعتموه من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلا بعد التثبت ".. وغيرها، فعدم صدور هكذا نصوص عنه، بل أمره بالمنع عن التحديث عموما، وإحراقه لمدونته - كما في الخبر الآتي - يدل على أن الأمر لا يرتبط بالتثبت، بل وراؤه أمر آخر!
لأن منهج المتثبت يدعو إلى الحفظ لا الإبادة!
فإن فعله (الإحراق)، ودعوته إلى ترك التحديث (لا تحدثوا)، يؤكدان بما لا يقبل التشكيك حقيقة أن الخليفة بصدد منع التحديث والتدوين معا والاكتفاء بالقرآن، وقد عرفت أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان لا يرتضي هذا الفعل ممن يخلفه، لقوله: " لا أعرفن "، و " لا ألفين "، وقوله: " ألا إن ما حرم رسول الله كما حرم الله "، وقوله: " ألا إن كلامي هو كلام الله ".
فالخليفة - وبإرجاعه الناس إلى القرآن - كان يريد تعبدهم بالقرآن

(1) كما روي عنه استشارته للصحابة في خبر ميمون، أنظر: أعلام الموقعين - لابن قيم - 1 / 62.
(٧٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 74 75 76 77 78 79 80 81 82 83 84 ... » »»
الفهرست