مجلة تراثنا - مؤسسة آل البيت - ج ٥٣ - الصفحة ١٢٣
ومضى يعدد جميع قبائل مكة وفروعها، ثم قال: إن الله أمرني أن أنذركم من عقابه، وإني لا أملك لكم من الدنيا منفعة ولا في الآخرة نصيبا إلا أن تقولوا: لا إله إلا الله، فنهض أبو لهب - وكان رجلا بدينا سريع الغضب - وصاح به: تبا لك سائر اليوم، ألهذا جمعت الناس؟! وتفرقوا عنه يتشاورون في أمره.
نعم، إن القبائل عارضته وكذبته لا لنفسه، بل لما جاءهم به من أفكار وآراء عن الكون والحياة، والتي لم يكن لهم بها عهد من قبل، فصار شأنه شأن باقي المرسلين المكذبين من قبل أقوامهم، فكان مثل قومه كمثل قوم نوح وعاد وثمود ولوط وأصحاب الرس، إذ قال تعالى: * (وإن يكذبوك فقد كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وثمود وقوم إبراهيم وقوم لوط) * (1)، ولهذا لم نر ضمن ما رماه به (صلى الله عليه وآله وسلم) قومه من تهم، كلمة (كذاب) أو (خائن) أو (ظالم) أو... بخلاف رميهم إياه ب‍: (ساحر) - لعدم دركهم كنه الإعجاز - و (مجنون) لما كانوا يرون عليه من ثقل الوحي، وفي هذا غاية الوضوح في أن العرب كانت تعرف صدق وأمانة ووفاء وحكمة محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قبل الإسلام.
ولا يخفى عليك أن المراد من حديث محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) قبل البعثة هو المعنى اللغوي للحديث، لا المعنى الاصطلاحي، إذ أن العرب كانت تعلم قيمة كلام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) واتصافه بالحكمة والسداد قبل أن يبعث نبيا، ولم تكن تعرف المعنى الاصطلاحي الذي حدث من بعد عند المسلمين، والذي يحمل في كنفه الحجية الشرعية والدليل القطعي.
* * *

(١) سورة الحج ٢٢: 42 و 43.
(١٢٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 118 119 120 121 122 123 124 125 126 127 128 ... » »»
الفهرست