مجلة تراثنا - مؤسسة آل البيت - ج ٥٣ - الصفحة ١٠٧
زرع، وهي كما قال الله تعالى حكاية عن لسان سيدنا إبراهيم (عليه السلام): * (ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم) * (1) ولم يكن فيها حتى نهر واحد (2)، بل كان غالب اعتماد الساكنين فيها على الأمطار والآبار التي تمتلئ شتاء وتجف صيفا، وهذا الجفاف واليبس خلق عند سكان الجزيرة حالة التنقل بحثا عن الكلأ والماء، فهم يجوبون الأرض بحثا عنهما، فهي ظروف لم تجعل العربي يستقر كي يبدع في مجالات الزراعة والصناعات اليدوية إلا نادرا، فاعتمدوا على التجارة بشكل أساسي خصوصا قريش التي هي رأس القبائل العربية في الجزيرة، وقد وصف الله تعالى اشتغالهم التجاري ذلك بقوله: * (لإيلاف قريش * إيلافهم رحلة الشتاء والصيف) * (3).
وتظهر شدة الجفاف من خلال التنازع على شرف سقاية الحاج، قال سبحانه: * (أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر) * (4) وهذه البيئة الجغرافية والظروف الاجتماعية، هي التي جعلت الجزيرة العربية بمأمن من مطامع الدولتين العظيمتين آنذاك (الروم والفرس)، كما جعلت هذه الأرض أرضا آمنة يلجأ إليها أعداء الروم والفرس، فقد هاجر إليها أولا يهود فلسطين، فسكنوا يثرب، وهاجرت بعدهم قبائل الأوس والخزرج من اليمن فسكنوا فدك وتيماء، فبدأ الوافدون من الحضارات المجاورة في تطوير الزراعة وإحكام أسسها، وكيفية تنظيم الري والاستفادة من الأمطار عند عرب شبة الجزيرة، لما

(١) سورة إبراهيم ١٤: ٣٧.
(٢) أنظر: المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام - لجواد علي - ١ / ١٥٧ وما بعدها.
(٣) سورة قريش ١٠٦: ٢.
(٤) سورة التوبة ٩: 19.
(١٠٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 102 103 104 105 106 107 108 109 110 111 112 ... » »»
الفهرست