مجلة تراثنا - مؤسسة آل البيت - ج ٣٨ - الصفحة ٩٣
في سائر أعضائه وحواسه - سوى عقله، ولا يعنونه، لعدم تعلق غرض صحيح لهم بذلك، فهذا لا ينهض دليلا للمثبتين، بل هو حجة عليهم.
وبعد تحرير هذا الموضع وقفنا على كلام لابن القيم الجوزية قريب مما ذكرناه، فرأيناه أن إيراده هاهنا لا يخلو من فائدة.
قال - بعد ذكر جوابين عن الآية (٨٥) -: فالصواب هو الجواب الثالث، وهو جواب صاحب الكشاف وغيره: أن المسحور على بابه وهو منس حر حتى جن فقالوا: مسحور، مثل مجنون، أي زائل العقل لا يعقل ما يقول، فإن المسحور الذي لا يتبع هو الذي فسد عقله بحيث لا يدري ما يقول، فهو كالمجنون، ولهذا قالوا فيه: ﴿معلم مجنون﴾ (٨٦) فأما من أصيب في بدنه بمرض من الأمراض يصاب به الناس فإنه لا يمنع ذلك من اتباعه، وأعداء الرسل لم يقذفوهم بأمراض الأبدان، وإنما قذفوهم بما يحذرون به سفهاءهم من أتباعهم، ولهذا قال تعالى: (أنظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا) مثلوك بالشاعر مرة والساحر أخرى، والمجنون مرة والمسحور أخرى، فضلوا في جميع ذلك ضلال من يطلب في تيهه وتحيره طريقا يسلكه فلا يقدر عليه، فإنه أي طريق أخذها فهي طريق ضلال وحيرة، فهو متحير في أمره لا يهتدي سبيلا ولا يقدر على سلوكها، فهكذا حال أعداء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم معه حتى ضربوا له أمثالا برأه الله منها، وهو أبعد عنها، وقد علم كل عاقل أنها كذب وافتراء وبهتان. انتهى.
ومما احتجوا به لنفي القول بتأثير السحر وعمله في النبي صلى الله عليه وآله وسلم قول جل ثناؤه - مخاطبا إياه - ﴿والله يعصمك من الناس﴾ (87) فإن الآية عدة من الله تعالى بالحفظ والكلاءة، والمعنى: والله يضمن لك العصمة

(٨٥) تفسير سورة الكافرون والمعوذتين: ٥٠.
(٨٦) سورة الدخان ٤٤: ١٤.
(٨٧) سورة المائدة ٥: 67.
(٩٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 88 89 90 91 92 93 94 95 96 97 98 ... » »»
الفهرست