مجلة تراثنا - مؤسسة آل البيت - ج ٣٢ - الصفحة ١١٧
إن الوعي الحقيقي بالتأريخ تشكل مع اكتشاف الإنسان للكتابة، بينما كان الإنسان قبل ذلك يعيش انقطاعا عن أمسه، لكن الكتابة استدعت التأريخ فجعلته حاضرا بين يديه، ولم يعد الماضي غائبا عن الذاكرة، وإنما صار الزمان بساطا واحدا ممتدا، بعد أن حولت الكتابة ماضيه إلى حاضر.
ظهور الكتابة والمكتبات ذهب الكثير من الباحثين إلى أن السومريين هم أول من ترك لنا تراثا واسعا مكتوبا، بل انتهى معظم الباحثين إلى أن الكتابة ظهرت في الحضارة السومرية، واستعملت على نطاق واسع، فقد " عرفت الحاضرة العراقية الوركاء (أوروك تقع في جنوب شرقي السماوة)، وقبل أية منطقة في العالم أصول التدوين، وذلك قبل أكثر من خمسة آلاف سنة، حيث عثر في الطبقة الرابعة " ب " من المدينة المذكورة وفي أحد معابدها على أكثر من ألف رقيم طيني، تتضمن وثائق اقتصادية بأقدم أنواع الكتابة وبأبسط أشكالها، وهي الكتابة الصورية Pictographic وذلك في حدود 3500 ق. م في العصر المسمى (الشبيه بالكتابي protoliterate)، ويشمل هذا الدور النصف الثاني من عصر الوركاء وعصر جمدة نصر " (2).
وقد بدأت الكتابة عند السومريين باستخدام الإشارات التصويرية، " ففي ذلك الوقت كان السومريون يستعملون نحو 2000 إشارة تصويرية، إلا أن هذا العدد أخذ يقل تدريجيا نتيجة لتزايد ارتباط الإشارات بالأصوات حتى وصل عددها إلى 500 - 600 إشارة خلال الألف الثانية قبل الميلاد " (3).

(2) إسماعيل، د. بهيجة خليل. الكتابة. في: حضارة العراق 1 / 221. بغداد: 1985 م.
(3) ستيبتشفيتش، د. الكندر. تأريخ الكتاب. ترجمة: د. محمد الارناؤوط. الكويت: مجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، 1993 م، ق 1: ص 13.
(١١٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 112 113 114 115 116 117 118 119 120 121 122 ... » »»
الفهرست