مجلة تراثنا - مؤسسة آل البيت - ج ١٤ - الصفحة ١٧٦
ابن فارس لم يكن يقف عند حد، وهمته العالية أكبر من أن تقنع بالقليل وترضى باليسير فرحل إلى أصبهان وزنجان وميانج طلبا للعلم، فتتلمذ على كبار علمائها أمثال أبي القاسم سليمان الطبراني، وأبي بكر أحمد بن الحسن الخطيب راوية ثعلب، وأحمد بن طاهرين بن النجم، ولم يكتف بذلك حتى رحل إلى بغداد للاستفادة من عالما الكبير في ذلك الوقت محمد بن عبد الله الدوري.
من هنا كان ابن فارس جم المعارف، غزير العلم، صقلت الأسفار الطويلة شخصيته العلمية حتى غدا إماما في اللغة، مبرزا في علوم القرآن والحديث، فذاع صيته في كل مكان، عالما تشد إليه الرحال، طلبا لمعارفه، وتعطشا للاستزادة منه.
مكانته العلمية:
ليس من السهل في هذه العجالة أن نتحدث عن مكانة ابن فارس العلمية، تلك الشخصية البارزة التي قدمت للتراث الإسلامي نتاجا متميزا في المكتبة العربية، فمن خلال مصنفاته وآثاره ترى اللغوي الأديب الذي تطرب النفوس لكلامه، وترقص القلوب لبيانه، فهو كما قيل: " إذا ذكرت اللغة فهو صاحب مجملها، لا بل صاحبها المجمل [لها] " (1).
وترى المفسر والمحدث الذي تبحر في علوم القرآن والحديث، فأجاد وأفاد.
وتشاهد المتكلم الفقيه الذي " إذا وجد فقيها أو متكلما أو نحويا كان يأمر أصحابه بسؤالهم إياه، ويناظره في مسائل من جنس العلم الذي يتعاطاه، فإن وجده بارعا جدلا جره في المجادلة إلى اللغة، فيغلبه بها " (2) فهو بذلك كان " من أعيان العلم وأفراد الدهر، وهو بالجبل كابن بالعراق، يجمع إتقان العلماء

(1) إنباه الرواة 1: 128 عن أبي الحسن الباخرزي.
(2) إنباه الرواة 1: 129.
(١٧٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 170 171 173 174 175 176 177 178 179 182 183 ... » »»
الفهرست