رؤية الله في ضوء الكتاب والسنة والعقل - الشيخ جعفر السبحاني - الصفحة ٢٩
واعلم إن محمد بن إسحاق بن خزيمة أورد استدلال أصحابنا بهذه الآية في الكتاب الذي سماه بالتوحيد، وهو في الحقيقة كتاب الشرك، واعترض عليها، وأنا أذكر حاصل كلامه بعد حذف التطويلات، لأنه كان رجلا مضطرب الكلام، قليل الفهم، ناقص العقل، فقال: نحن نثبت لله وجها ونقول: إن لوجه ربنا من النور والضياء والبهاء، ما لو كشف حجابه لأحرقت سبحات وجهه كل شئ أدركه بصره، ووجه ربنا منفي عنه الهلاك والفناء، ونقول: إن لبني آدم وجوها كتب الله عليها الهلاك والفناء، ونفى عنها الجلال والإكرام، غير موصوفة بالنور والضياء والبهاء، ولو كان مجرد إثبات الوجه لله يقتضي التشبيه لكان من قال إن لبني آدم وجوها وللخنازير والقردة والكلاب وجوها، لكان قد شبه وجوه بني آدم بوجوه الخنازير والقردة والكلاب. ثم قال: ولا شك إنه اعتقاد الجهمية; لأنه لو قيل له: وجهك يشبه وجه الخنازير والقردة لغضب ولشافهه بالسوء، فعلمنا أنه لا يلزم من إثبات الوجه واليدين لله إثبات التشبيه بين الله وبين خلقه.
إلى أن قال: وأقول هذا المسكين الجاهل إنما وقع في أمثال هذه الخرافات لأنه لم يعرف حقيقة المثلين، وعلماء التوحيد حققوا الكلام في المثلين ثم فرعوا عليه الاستدلال بهذه الآية (1).
وليس ابن خزيمة أول أو آخر محدث تأثر بهذه البدع، بل كانت الفكرة تتغلغل بين أكثر أهل الحديث الذين منهم:

(1) الرازي، مفاتيح الغيب 27: 150 - 151.
(٢٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 ... » »»