رؤية الله في ضوء الكتاب والسنة والعقل - الشيخ جعفر السبحاني - الصفحة ١٩
فقد وجد الحبر الماكر جوا ملائما لنشر الأساطير والقصص الوهمية، وبذلك بث سمومه القاتلة بين الصحابة والتابعين، وقد تبعوه وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا.
وقد تنبه إلى جسامة الخسارة التي أحدثها ذلك الحبر لفيف من القدماء، منهم ابن كثير في تفسيره، حيث أنه بعدما أورد طائفة من الأخبار في قصة ملكة سبأ مع سليمان، قال: والأقرب في مثل هذه السياقات أنها متلقاة عن أهل الكتاب مما وجد في صحفهم، كروايات كعب ووهب - سامحهما الله تعالى - في ما نقلاه إلى هذه الأمة من أخبار بني إسرائيل من الأوابد والغرائب والعجائب مما كان وما لم يكن، ومما حرف وبدل وفسخ، وقد أغنانا الله سبحانه عن ذلك بما هو أصح منه وأنفع وأوضح وأبلغ (1).
والذي يدل على عمق مكره وخداعه لعقول المسلمين أنه ربما ينقل شيئا من العهدين، وفي الوقت ذاته نرى أن بعض الصحابة الذين تتلمذوا على يديه وأخذوا منه ينسب نفس ما نقله إلى الرسول! والذي يبرر ذلك العمل حسن ظنهم وثقتهم به، فحسبوا المنقول أمرا واقعيا، فنسبوه إلى النبي زاعمين أنه إذا كان كعب الأحبار عالما به فالنبي أولى بالعلم منه.
فإن كنت في شك من ذلك فاقرأ نصين في موضوع واحد أحدهما للإمام الطبري في تاريخه ينقله عن كعب الأحبار في حشر

(1) ابن كثير، التفسير، قسم سورة النمل 3: 339.
(١٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 ... » »»