بحوث قرآنية في التوحيد والشرك - الشيخ جعفر السبحاني - الصفحة ٢٦
والجواب أن من كان ملما بحقائق القرآن وعارفا بلسانه يقف على عدم وجود أي تناقض وتناف بين ذلك النفي وهذا الإثبات، وذلك لأن الهدف من حصر التدبير بالله سبحانه هو حصره به على وجه الاستقلال، أي من يدبر بنفسه غير معتمد على شئ.
وأما المثبت لتدبير غيره، فيراد منه أنه يدبر بأمره وإذنه وحوله وقوته على النحو التبعي فكل مدبر في الكون من ملك وغيره فهو مظهر أمره ومنفذ إراداته.
وليس هذا بعزيز في القرآن ترى أنه سبحانه ينسب فعلا لنفسه وفي الوقت نفسه ينسبه لشخص آخر، ولا تناقض، لاختلاف النسبتين في الاستقلال والتبعية، قال سبحانه: * (الله يتوفى الأنفس حين موتها) * (1) وقال: * (حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا) *. (2) فالتوفي على وجه الاستقلال هو فعله سبحانه، وأما التوفي بحوله وقدرته وإرادته وأمره فهو فعل الرسل.
وبعبارة أخرى: هناك فعل واحد وهو التوفي، ينسب إلى الله بنحو وإلى رسله بنحو آخر، دون أي تناف وتنافر بين هذين النسبتين.
ونظيره قوله سبحانه: * (والله يكتب عندما يبيتون) * (3) وفي الوقت

1. الزمر / 42.
2. الأنعام / 61.
3. النساء / 81.
(٢٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 ... » »»